وَمُخَالِفُونَا يُجِيزُونَ تَخْصِيصَ دَلَالَاتِ الْقَوْلِ عِنْدَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمَخْصُوصَ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، فَالْعِلَّةُ أَوْلَى بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْقَى لِلْعِلَّةِ حُكْمٌ فِيمَا لَمْ يَخُصَّ، وَلَا يَبْقَى لِدَلَالَةِ الْقَوْلِ حُكْمٌ فِيمَا خَصُّوهُ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَاقٍ} [الإسراء: 31] . وَنَظَائِرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِهِ. .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ تَخْصِيصِ الِاسْمِ وَتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ، أَنَّ مَا يُوجِبُ كَوْنَ الْمَعْنَى عِلَّةً لِلْحُكْمِ وُجُودُ الْحُكْمِ بِوُجُودِهِ، وَارْتِفَاعُهُ بِارْتِفَاعِهِ، فَمَتَى وُجِدَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحُكْمِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً، وَلَيْسَ شَرْطُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ مُسَاعِدَةُ الْحُكْمِ لَهُ حَيْثُمَا وُجِدَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ اعْتِبَارُ الْعِلَّةِ بِالِاسْمِ. قِيلَ لَهُ: إنَّ دَلَالَةَ صِحَّةِ الْعِلَّةِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَوْجُودًا بِوُجُودِهِ، وَمَعْدُومًا بِعَدَمِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ خُصَمَائِكَ يُسَلِّمُونَهُ لَك، بَلْ قَدْ حَكَيْنَا فِيمَا سَلَفَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْتَبِرُ ذَلِكَ فِي عِلَلِ الشَّرْعِ، وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا مَنْ يَعْتَبِرُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَلِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ هَذَا أَحَدُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ. وَلِتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ دَلَائِلُ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. (فَيَقُولُ: إنِّي) أَعْتَبِرُ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ، مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَنَافِي الْأَحْكَامِ وَتَضَادِّهَا، فَمَتَى أَدَّى إلَى ذَلِكَ احْتَجْتُ إلَى طَلَبِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، كَمَا يَقُولُ مُخَالِفُنَا فِي هَذَا الضَّرْبِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ: إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَلِ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ، فَإِذَا مَنَعَ مِنْهُ لَمْ يَدُلَّ.