وَإِقْرَارًا لَهُمْ عَلَيْهِ، إذْ كَانُوا هُمْ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّاهِينَ عَنْ الْمُنْكَرِ، كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ خَارِجًا عَنْ مُوجِبِ الْقِيَاسِ الَّذِي وَصَفْنَا.
وَنَحْوُ ذَلِكَ أَيْضًا: قُعُودُ الْإِنْسَانِ فِي سِمَايَةٍ وَإِعْطَاءِ الْمَلَّاحِ مَقْطَعَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مَوْضِعِ الْعُبُورِ وَلَا بَيَانِ مِقْدَارِ مَا يُعْطِيه. وَمِثْلُهُ أَيْضًا: شِرَاءُ الْبَقْلِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، مِمَّا يُعْطِي فِيهِ مَقْطَعَةٍ، فَيَأْخُذُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِمِقْدَارِ مَا يَأْخُذُ أَوْ يُعْطَى.
وَكَذَلِكَ أَجَازُوا أَنْ يَشْتَرِيَ أَرْطَالَ لَحْمٍ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْ الْقَصَّابِ، فَيُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذَ اللَّحْمَ
وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، حَتَّى يُسَمَّى فِيهِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ لِمَا وَصَفْنَا.
وَمِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ: الِاسْتِصْنَاعُ، وَهُوَ: أَنْ يَسْتَصْنِعَ عِنْدَ الرَّجُلِ خُفَّيْنِ، أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ قَلَنْسُوَةً، أَوْ نَحْوَهَا، وَيُسَمِّي الثَّمَنَ، وَيَصِفُ لَهُ الْعَمَلَ.
فَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ.
كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ خُفًّا مَوْصُوفًا، أَوْ قَلَنْسُوَةً، أَوْ نَحْوَهَا، مِمَّا لَيْسَ عِنْدَهُ، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِيهِ، وَأَجَازُوهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَمَلِ النَّاسِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا.
وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ بِالْقِيَاسِ، فَنَحْوُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ: إنَّ الشِّرَاءَ فَاسِدٌ إنْ أَعْتَقَهُ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْقِيمَةُ، لِوُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى فَسَادٍ.