ِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ مِنَّا فِي تَقْسِيمِ الْوُجُوهِ الَّتِي مِنْهَا تُسْتَدْرَكُ أَحْكَامُ الْحَوَادِثِ فَقُلْنَا: إنَّهَا تُسْتَدْرَكُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَائِمٌ، فَالْحَقُّ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ.
وَالْآخَرُ: مَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَائِمٌ يُفْضِي بِالْمُجْتَهِدِ إلَى الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْمَطْلُوبِ. وَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: الْقِيَاسُ.
وَالْآخَرُ: الِاجْتِهَادُ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ، مِنْ غَيْرِ رَدِّ فَرْعٍ إلَى أَصْلٍ، كَمَا قُلْنَا فِي تَحَرِّي الْقِبْلَةِ وَتَدْبِيرِ الْحُرُوبِ، وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ، وَتَقْدِيرِ الْمُتْعَةِ، وَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَنَحْوِهَا.
وَالثَّالِثُ: الِاسْتِدْلَال عَلَى الْحُكْمِ بِالْأُصُولِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعَانِيَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَكَيْفِيَّتَهُمَا. وَنَذْكُرُ الْآنَ الْوَجْهَ الثَّالِثَ، وَطُرُقَهُ، وَوُجُوهَهُ مُخْتَلِفَةً، إلَّا أَنَّا نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جُمْلَتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَعْتَبِرُهُ.
فَمِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْحَيْضُ، لِأَنَّهُ نَقَلَهَا إلَى الشُّهُورِ عِنْدَ عَدَمِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8]