صَلَاةَ مَنْ صَلَّى قُدَّامَ الْإِمَامِ، لَيْسَتْ بِهَذِهِ،، وَإِنَّمَا هِيَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِائْتِمَامِ بِالْإِمَامِ وَاتِّبَاعِهِ، فَمَنْ صَلَّى قُدَّامَ الْإِمَامِ غَيْرَ مُؤْتَمٍّ بِهِ وَلَا مُتَّبِعٍ لَهُ عِنْدَنَا فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي بِهَا أَثْبَتْنَا حُكْمَ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، غَيْرُ الْعِلَّةِ الَّتِي بِهَا ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ الْمَقِيسِ.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَيْضًا: قَوْلُهُمْ فِي رَجُلَيْنِ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى عَبْدٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ وَقَبَضَهُ. وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يُوَقِّتْ الْبَيِّنَتَانِ، أَوْ بَيِّنَةُ الشِّرَاءِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَارِيخِ الْعَقْدَيْنِ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ، يُوجِبُ الْحُكْمَ بِوُقُوعِ الْعَقْدَيْنِ مَعًا، وَمَتَى حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مَعًا، سَبَقَ وُقُوعُ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ الْمِلْكَ بِالْهِبَةِ،؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالْهِبَةَ لَا تُوجِبُهُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَكَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُكْمِ بِالْبَيْعِ دُونَ الْهِبَةِ، مَا ذَكَرْنَا.
ثُمَّ قَالُوا: لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الرَّهْنِ، وَالْأُخْرَى عَلَى الْهِبَةِ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَاتُ بِالْقَبْضِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ تَسَاوَيَا فِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَبْضَ، وَالرَّهْنُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ فِي بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ ضَمَانِ الْيَدَيْنِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْعِ ضَمَانُ الثَّمَنِ، فَقَاسُوا الرَّهْنَ عَلَى الْبَيْعِ فِي هَذَا الْوَجْهِ بِغَيْرِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ، لِكَوْنِ الْبَيْعِ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ.
وَنَحْوُهُ إذَا أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى شِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ مَالِكِهِ، وَأَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ، فَيَكُونُ الْعِتْقُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ قَبْضًا، فَصَارَ كَإِقَامَةِ رَجُلَيْنِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا بِالْقَبْضِ، فَيَكُونُ صَاحِبُ الْقَبْضِ أَوْلَى، ثُمَّ جَعَلُوا التَّدْبِيرَ مِثْلَ الْعِتْقِ فِي كَوْنِهِ أَوْلَى مِنْ الشِّرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَبْضٌ، بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، كَمَا لَا يَلْحَقُ الْعِتْقَ، فَالْعِلَّةُ الَّتِي قَاسُوا بِهَا التَّدْبِيرَ عَلَى الْعِتْقِ فِي كَوْنِهِ أَوْلَى مِنْ الشِّرَاءِ غَيْرُ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِكَوْنِ الْعِتْقِ فِي الْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ الشِّرَاءِ. وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ.
وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ عَلَمًا لِلْحُكْمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا