وَيَقُولُ: الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ عِلَّتِي جَرْيُهَا فِي مَعْلُولِهَا.
وَلَا يَنْفَكُّ حِينَئِذٍ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ تُسَوِّغَ لَهُ ذَلِكَ، فَتُصَحَّحَ الْعِلَّتَانِ جَمِيعًا، وَهُمَا تُوجِبَانِ حُكْمَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ، وَيَلْزَمَك الْقَوْلُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَاعْتِقَادُ وُجُوبِ حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا هُوَ الِاخْتِلَافُ الَّذِي نَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَحْكَامِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]
فَيُقَالُ لَهُ: مَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ مَا يُؤَدِّي إلَى هَذَا التَّضَادِّ وَالِاخْتِلَافِ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَمَا أَدَّى إلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ؛ إذْ لَا يُسَوِّغُ لَهُ ذَلِكَ.
فَيَقُولُ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِحَّتِهَا بِجَرْيِهَا فِي مَعْلُولِهَا، فَهَذَا التَّضَادُّ الَّذِي ذَكَرْنَا ضَرْبٌ مِنْ الِاخْتِلَافِ الَّذِي هُوَ مُنْتَفٍ عَنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَاخْتِلَافٌ ثَانٍ هُوَ مُنْتَفٍ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَحَدُ الْمَعَانِي الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا، دُونَ جَمِيعِهَا، لَمْ (يَجْرِ) الْجَمِيعُ مَجْرَى عِلَّتِهِ فِي مَعْلُولِهَا، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ الصَّحِيحَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ مَجْرَى الْعِلَّةِ فِي مَعْلُولِهَا عَلَامَةٌ لِصِحَّتِهَا، لَمَّا قَاوَمَتْهَا عِلَّةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يُقَاوِمُهُ الْبَاطِلُ، حَتَّى لَا يَنْفَصِلَ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18] فَمَتَى وَجَدْنَا فِي مَذْهَبٍ هَذَا الِاخْتِلَافَ، عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَحْنُ لَوْ اسْتَدْلَلْنَا بِالْآيَةِ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَكَانَتْ كَافِيَةً فِي إفْسَادِهَا، فَقَدْ بَانَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ وُجُوهٍ: