قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ إجْمَاعَ الْقَائِسِينَ عَلَى كَوْنِ الْأَصْلِ مَعْلُولًا، وَمَتَى لَا يُجْمِعُوا عَلَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ لَمْ يَقِسْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْتَدَّ بِنُفَاتِ الْقِيَاسِ فِي هَذَا الْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ جُلُّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ النَّظَّارِينَ: إنَّمَا الِاعْتِبَارُ فِي لَحَاقِ الْحَادِثَةِ بِأُصُولِهَا بِتَشَابُهِهَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ عَلَمُ الْحُكْمِ وَأَمَارَتُهُ، يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ طَلَبُهُ وَتَتَبُّعُهُ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْمَعْنَى بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَجَبَ إجْرَاؤُهُ فِي فُرُوعِهِ، وَالْحُكْمُ لَهَا بِحُكْمِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى شَبَهًا مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الِاسْمِ؛ إذْ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ أَنْ يُرَدَّ الْفَرْعُ إلَى الْأَصْلِ بِالِاسْمِ، إذَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالِاسْمِ، فَيَكُونُ الِاسْمُ حِينَئِذٍ عَلَمَ الْحُكْمِ، وَالْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ عَلَمُ الْحُكْمِ وَأَمَارَتُهُ، (وَنُسَمِّيهِ عِلَّةً) مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِالتَّوَقُّفِ عَلَيْهِ.
وَالْآخَرُ: بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، وَهُوَ طَرِيقَةُ أَبِي الْحَسَنِ الَّتِي كَانَ يَسْلُكُهَا، وَيَعْتَبِرُهَا فِي الْمَسَائِلِ الْقِيَاسِيَّةِ، وَهِيَ عِنْدِي مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا، فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَسَائِلُهُمْ.