قُلْنَا لَهُ: فَهَذِهِ عِلَلُ الْمَصَالِحِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ مَعَانِيَ (فِي) الْمُتَعَبَّدِينَ. مِنْ أَجْلِهَا، وَجَبَ أَنْ يَتَعَبَّدُوا بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ؛ إذْ كَانُوا بِهَا يَصْلُحُونَ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهَا لَفَسَدُوا عِنْدَهُ، وَلَا تَكُونُ تِلْكَ أَمَارَاتٍ لِلْأَحْكَامِ.

فَقَوْلُك: إنَّ فَائِدَةَ الْعِلَلِ الَّتِي لَا تَتَعَدَّى أَنِّي أَعْلَمُ اللَّهَ لِمَ حَرَّمَهَا، كَلَامٌ سَاقِطٌ لَا مَعْنَى لَهُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّمَا احْتَجْنَا إلَى الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُخَالِفِينَ لَا يَعْرِفُونَ مَعَانِيَ عِلَلِ الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ، وَإِنَّمَا يُقَلِّدُونَ فِيهَا قَوْمًا جُهَّالًا مِثْلَهُمْ. ثُمَّ يُعَارِضُونَ عَلَى عِلَلٍ جَارِيَةٍ فِي فُرُوعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا بِعِلَلٍ يَسْتَخْرِجُونَهَا مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ غَيْرِ مُتَعَدِّيَةٍ إلَى فَرْعٍ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مُوجِبَةٌ لِمِثْلِ الْحُكْمِ الَّذِي تَنَازَعُوهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ مِثْلَهُ يَكُونُ مُعَارِضًا لِتِلْكَ الْعِلَلِ الصَّحِيحَةِ، الْمُتَعَدِّيَةِ إلَى مَوَاضِعِ الْخِلَافِ، فَيَنْتَظِمُونَ بِهِ الْخَطَأَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: اعْتِلَالُهُمْ بِعَلَّةٍ لَا تَعْدُو مَوْضِعَ النَّصِّ، أَوْ الِاتِّفَاقِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَوْ صَحَّ عِلَّةً لَمَا عَارَضَ اعْتِلَالَ الْخَصْمِ لِأَنَّهُمَا (حِينَئِذٍ) يُوجِبَانِ حُكْمًا وَاحِدًا، إلَّا أَنَّ إحْدَاهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَى فِيمَا يُوجِبُهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِنَا: فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الْبَيْعِ فِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، إذَا تَفَاضَلَا: إنَّهُمَا وُجُودُ زِيَادَةٍ فِي جِنْسٍ، فَيُعَارِضُونَ عَلَيْهَا بِأَنْ يَقُولُوا: مَا أَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، أَنَّهُمَا أَثْمَانُ الْأَشْيَاءِ، وَكَوْنُهُمَا أَثْمَانَ الْأَشْيَاءِ لَا تَتَعَدَّى إلَى فَرْعٍ، وَإِذَا عَلَّلْنَا وُجُوبَ ضَمِّ الْأَوْلَادِ إلَى الْأُمَّهَاتِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ مَالٍ فِي الْحَوْلِ عَلَى نِصَابٍ. قَالُوا: الْعِلَّةُ فِي الْأَوْلَادِ أَنَّهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ، فَيَجْعَلُونَ مَا ذَكَرُوا مِنْ الْمَعْنَى عِلَّةً لِلْحُكْمِ. وَيَرُومُونَ بِهِ مُعَارَضَتَنَا فِي اعْتِلَالِنَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015