أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ دَعَا إلَى نَفْيِ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ وُقُوعَ التَّنَازُعِ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ، يُوجِبُ رَدَّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَى الْأَصْلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ (حَالُهُ) قَبْلَ وُقُوعِ التَّنَازُعِ، وَقَدْ عَلِمْنَا: أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ، حَتَّى يَقُومَ دَلَالَةُ الْحَظْرِ، وَلَزِمَ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ لَا يَحْظُرَ الْقِيَاسُ عَنْهُ وُقُوعَ التَّنَازُعِ، وَأَنْ يُبِيحَهُ حَتَّى يَقُومَ دَلَالَةُ الْحَظْرِ فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا اعْتَبَرْت فِي هَذِهِ الْأُصُولِ قِيَاسًا عَقْلِيًّا، لِأَنِّي حِينَ تَأَمَّلْتُ مَوْضُوعَهَا، فَوَجَدْتهَا عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْت، عَلِمْت أَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْقِيَاسِ فِي إثْبَاتِ شَيْءٍ مِنْهَا. قِيلَ لَهُ: فَاقْبَلْ مِنَّا (مِثْلَهُ) إذَا قُلْنَا لَك: إنَّ قِيَاسَنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قِيَاسٌ عَقْلِيٌّ، لِوُجُودِ الْأُصُولِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَوَاضِعِهِ. وَأَمَّا ذِكْرُهُ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِ الْأَشْيَاءِ الْمُشْتَبِهَةِ، وَ (اتِّفَاقِ) أَحْكَامِ الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَلَا مَعْنَى لَهُ،؛ لِأَنَّا لَمْ نَقْبَلْ بِوُجُوبِ الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ اشْتَبَهَتْ الْمَسَائِلُ فِي صُوَرِهَا وَأَعْيَانِهَا وَأَسْمَائِهَا، وَلَا أَوْجَبْنَا الْمُخَالَفَةَ بَيْنَهَا، مِنْ حَيْثُ اخْتَلَفَتْ فِي: الصُّوَرِ، وَالْأَعْيَانِ، وَالْأَسْمَاءِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِيَاسُ بِالْمَعَانِي الَّتِي جُعِلَتْ أَمَارَاتٍ لِلْحُكْمِ بِالْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُ، فَنَعْتَبِرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا. ثُمَّ لَا نُبَالِي بِاخْتِلَافِهَا، وَلَا اتِّفَاقِهَا مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ غَيْرِهَا. نَظِيرُ ذَلِكَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَرَّمَ التَّفَاضُلَ فِي: الْبُرِّ بِالْبُرِّ، مِنْ جِهَةِ الْكَيْلِ، وَفِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، مِنْ جِهَةِ الْوَزْنِ، اسْتَدْلَلْنَا بِهِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَحْظُورَةَ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ جِهَةِ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ مَعَ الْجِنْسِ، فَحَيْثُ وُجِدَا أَوْجَبَا تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ.
وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَبِيعَانِ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ كَالْجِصِّ - وَهُوَ مَكِيلٌ - فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبُرِّ، مِنْ.