ومثله قول المتنبي:

وما عفت الرياح له محلا ... ... ... ... ... ..

ولما نفى أن يكون الذي يرى به من الدروس والعفاء من الرياح، ... ، وكان في العادة إذا نفي الفعل الموجود الحاصل من واحد، أن يسأل المستمع: فما عفاه إذا؟ فيجيب المتنبي مستأنفا معنى جديدا مفصولا عن المعنى الأول:

. ... ... ... ... ... ..عفاه من حدا بهم وساقا1

وفي القرآن من هذا القبيل قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} 2، يقول الجرجاني: وها هنا أمر سوى ما مضى يوجب الاستئناف وترك العطف، وهو: أن الحكاية عنهم بأنهم قالوا: كيت وكيت، تحرك السامعين لأن يعلموا -مصير أمرهم وما يصنع بهم، أتنزل بهم النقمة عاجلا أم لا تنزل ويمهلون- وتوقع في أنفسهم التمني لأن يتبين لهم ذلك، وإذا كان كذلك، كان هذا الكلام الذي هو قوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} في معنى ما صدر جوابا عن هذا المقدر وقوعه في أنفس السامعين وإذا كان مصدره كذلك، كان حقه أن يؤتى به مبتدأ غير معطوف ليكون في صورته إذا قيل: فإن سألتم قيل لكم: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} 2.

ويبدو هذا أيضا في التنزيل في لفظ "قال" الذي يأتي مفصولا غير موصول، ففي قوله تعالى في قصة ضيف إبراهيم:

- {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} .

- {فَقَالُوا سَلَامًا} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015