الِاثْنَيْنِ الَّذين هما إِلَى الْخَطَأ من أَنه لم يطْلب الْبُرْهَان طلبا صَحِيحا بل عَاجِزا عَنهُ بِأحد الْوُجُوه الَّتِي قدمنَا قبل وَأما الِانْتِقَال إِلَى الصَّوَاب فَإِنَّهُ وَقع عَلَيْهِ بِحَدّ صَحِيح وَطلب صَحِيح أَو بِحَدّ وَبحث وَهَذَا يعرض فِيمَا يدْرك بالحواس كثيرا فَيرى الْإِنْسَان شخصا من بعيد فيظنه فلَانا وَيحلف عَلَيْهِ ويكابر ويجرد ثمَّ تبين لَهُ أَنه لَيْسَ هُوَ الَّذِي ظن وَقد يشم الْإِنْسَان رَائِحَة يَظُنهَا من بعض الروائح وَيقطع على ذَلِك وَيحلف عَلَيْهِ مجداً ثمَّ يتَبَيَّن لَهُ أَنه لَيْسَ هُوَ الَّذِي ظن وَهَكَذَا فِي الذَّوْق أَيْضا وَقد يعرض هَذَا فِي الْحساب فقد يغلط الحاسبون فِي جمع الْأَعْدَاد الْكَثِيرَة فَيَقُول أحدهم أَن الْجَمِيع من هَذِه الْأَعْدَاد كَذَا وَكَذَا وَيُخَالِفهُ غَيره فِي ذَلِك حق إِذا بحثوا بحثا صَحِيحا صَحَّ الْأَمر عِنْدهم وَقد يعرض هَذَا للْإنْسَان فِيمَا بَين يَدَيْهِ يطْلب الشَّيْء بَين مَتَاعه طلبا مرددا الْمَرْء بعد الْمَرْء فَلَا يجده وَلَا يَقع عَلَيْهِ وَهُوَ بَين يَدَيْهِ وَنصب عَيْنَيْهِ ثمَّ يجده فِي أقرب مَكَان مِنْهُ وَقد يكْتب الْإِنْسَان مستملياً أَو يقْرَأ فيصحف وَيزِيد وَينْقص وَلَيْسَ هَذَا بِمُوجب أَلا يَصح شَيْء بِإِدْرَاك الْحَواس أبدا وَلَا إِلَّا يَصح وجود الْإِنْسَان شَيْئا افتقده أبدا وَلَا إِلَّا يَصح جمع الْأَعْدَاد أبدا وَلَا إِلَّا يَصح حرف مَكْتُوب وَلَا كلمة مقروءة أبدا لَا مَكَان وجود الْخَطَأ فِي بعض ذَلِك لَكِن التثبيت الصَّحِيح يليخ الْحق من الْبَاطِل وَهَكَذَا كل شَيْء أَخطَأ فِيهِ وَلَا بُد من برهَان يليح الْحق فِيهِ من الْبَاطِل وَلَا يظنّ جَاهِل أَن هَذِه الْمعَانِي كلهَا حجَّة لمبطلي الْحَقَائِق بل هِيَ برهَان عَلَيْهِم لائح قَاطع لِأَن كل مَا ذكرنَا لَا يخْتَلف حس أحد فِي أَن كل ذَلِك إِذا فتش تفتيشاً صَحِيحا فَإِنَّهُ يَقع الْيَقِين والضرورة بِأَن الْوَهم فِيهَا غير صَحِيح وَأَن الْحق فِيهَا وَلَا بُد فَبَطل تعلقهم بِمن رَجَعَ من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب وَلم يحصلوا إِلَّا على أَن قَالُوا أَنا نرى قوما يخطئون فَقُلْنَا لَهُم نعم ويصيب آخَرُونَ فإقرارهم بِوُجُود الْخَطَأ مُوجب ضَرُورَة أَن ثمَّ صَوَابا لِأَن الْخَطَأ هُوَ مُخَالفَة الصَّوَاب فَلَو لم يكن صَوَابا لم يكن خطأ وَلَو لم يكن برهانا لم يكن شغب مُخَالف للبرهان ثمَّ نعكس استدلالهم عَلَيْهِم فَنَقُول لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد فَإذْ قد وجدْتُم من يعْتَقد مَا أَنْتُم عَلَيْهِ ثمَّ يرجع عَنهُ فَهَلا قُلْتُمْ أَن مذهبكم هَذَا كالأقوال الْأُخَر الَّتِي أبطلتموها من أجل هَذَا الظَّن الْفَاسِد فِي الْحَقِيقَة وَهُوَ فِي ظنكم صَحِيح فَهُوَ لكم لَازم لأنكم صححتموه وَلَا يلْزمنَا لأننا لَا نصححه وَلَا صَححهُ برهَان
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَبِهَذَا الَّذِي قُلْنَا يبطل مَا اعْتَرَضُوهُ بِهِ من اخْتِلَاف المدعين الفلسفة والمتحلين الْكَلَام فِي مذاهبهم وَمَا ذَكرُوهُ من اخْتِلَاف المختارين أَيْضا فِي اختيارهم لأننا لم نَدع أَن طبائع النَّاس سليمَة من الْفساد لَكنا نقُول أَن الْغَالِب على طبائع النَّاس الْفساد فَإِن الْمنصف لنَفسِهِ أَولا ثمَّ لخصمه ثَانِيًا الطَّالِب الْبُرْهَان على حَقِيقَة الْعَارِف بِهِ فدليل برهاننا على هَذَا مَا وَجَدْنَاهُ من اخْتِلَاف النَّاس وَاخْتِلَافهمْ كثيرا دَلِيل على كَثْرَة الْخَطَأ مِنْهُم وَقد وضحنا أَن وجود الْخَطَأ يَقْتَضِي ضَرُورَة وجود الصَّوَاب مِنْهُم وَلَا بُد وَلَيْسَ اخْتلَافهمْ دَلِيلا على أَن لَا حَقِيقَة فِي شَيْء من أَقْوَالهم وَلَا على امْتنَاع وجود السَّبِيل إِلَى معرفَة الْحق وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَأما احتجاجهم بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من حقق شَيْئا من الديانَات والمقالات والآراء من أَن يكون صَحَّ لَهُ بالحواس أَو بِبَعْضِهَا أَو ببديهة الْعقل وضرورته أَو بِدَلِيل من الْأَدِلَّة غير هذَيْن وَأَنه لَو صَحَّ بالحواس أَو بِالْعقلِ لم يخْتَلف فِيهِ وإلزامهم فِي الدَّلِيل مثل ذَلِك إِلَى آخر كَلَامهم فَهَذَا كُله مُقَرر قد مُضِيّ الْكَلَام فِيهِ وَقد أريناهم أَنه قد يخْتَلف النَّاس فِيمَا يدْرك بالحواس وببديهة الْعقل كاختلافهم فِي الشَّخْص يرونه ويختلفون فِيهِ مَا هُوَ وَفِي الصَّوْت يسمعونه بَينهم فِيمَا هُوَ ويختلفون فِيهِ وكأقوال النَّصَارَى وَغَيرهم مِمَّا يعلم بضرورة الْعقل فَسَاده ثمَّ نقُول لَهُم إِن أول المعارف هُوَ مَا أدْرك بالحواس وببديهة الْعقل وضرورته ثمَّ ينْتج براهين رَاجِعَة من قرب