خلق جَمِيع مَا أَرَادَ جمعه من الأجرام السماوية الَّتِي خلقهَا مفترقة ثمَّ جمعهَا وَخلق تَفْرِيق كل جرم من الأجرام الَّتِي خلقهَا مجتمعة ثمَّ فرقها فَهَذَا هُوَ الْحق لَا ذَلِك السُّؤَال الْفَاسِد الَّذِي أجملتموه وأوهمتم بِهِ أهل الْغَفْلَة أَن الله تَعَالَى ألف الْعَالم من أَجزَاء خلقهَا مُتَفَرِّقَة وَهَذَا بَاطِل لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا برهَان عَلَيْهَا وَلَا فرق بَين من قَالَ أَن الله تَعَالَى ألف أَجزَاء الْعَالم وَكَانَت مُتَفَرِّقَة وَبَين من قَالَ بل الله تَعَالَى فرق الْعَالم أَجزَاء وَإِنَّمَا كَانَ جزأ وَاحِدًا وَكِلَاهُمَا دَعْوَى سَاقِطَة لَا برهَان عَلَيْهَا لَا من نَص وَلَا من عقل بل الْقُرْآن جَاءَ بِمَا قُلْنَاهُ نصا قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه أَن نقُول لَهُ كن فَيكون} وَلَفْظَة شَيْء تقع على الْجِسْم وعَلى الْعرض فصح أَن كل جسم صغر أَو كبر وكل عرض فِي جسم فَإِن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ خلقه قَالَ لَهُ كن فَكَانَ وَلم يقل عز وَجل قطّ أَنه ألف كل جُزْء من أَجزَاء مُتَفَرِّقَة فَهَذَا هُوَ الْكَذِب على الله عز وَجل حَقًا فَبَطل مَا ظنُّوا أَنهم يلزموننا بِهِ ثمَّ نقُول لَهُم إِن الله تَعَالَى قَادر على أَن يخلق جسماً لَا يَنْقَسِم وَلكنه لم يخلقه فِي بنية هَذَا الْعَالم وَلَا يخلقه كَمَا أَنه تَعَالَى قَادر على أَن يخلق عرضا قَائِما بِنَفسِهِ وَلكنه تَعَالَى لم يخلقه فِي بنية هَذَا الْعَالم وَلَا يخلقه لِأَنَّهُمَا مِمَّا رتبه الله عز وَجل محالاً فِي الْعُقُول وَالله تَعَالَى قَادر على كل مَا يسْأَل عَنهُ لَا نحاشي شَيْئا مِنْهَا إِلَّا أَنه تَعَالَى لَا يفعل كل مَا يقدر عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يفعل مَا يَشَاء وَمَا سبق فِي علمه أَنه يَفْعَله فَقَط وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
ثمَّ نعطف هَذَا السُّؤَال نَفسه عَلَيْهِم فَنَقُول لَهُم هَل يقدر الله عز وَجل على أَن يقسم كل جُزْء ونقسم كل قسم من أَقسَام الْجِسْم أبدا بِلَا نِهَايَة أم لَا فَإِن قَالُوا لَا يقدر على ذَلِك عجزوا رَبهم حَقًا وَكَفرُوا وَهُوَ قَوْلهم دون تَأْوِيل وَلَا إِلْزَام وَلَكنهُمْ يخَافُونَ من أهل الْإِسْلَام فيملحون ضلالتهم بِإِثْبَات الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ جملَة
وَإِن قَالُوا أَنه تَعَالَى قَادر على ذَلِك صدقُوا وَرَجَعُوا إِلَى الْحق الَّذِي هُوَ نفس قَوْلنَا وَخلاف قَوْلهم جملَة وَنحن لَا نخالفهم قطّ فِي أَن أَجزَاء طحين الدَّقِيق لَا يقدر مَخْلُوق فِي الْعَالم على تجزئة تِلْكَ الْأَجْزَاء وَإِنَّمَا خالفناهم فِي أَن قُلْنَا نَحن إِن الله تَعَالَى قَادر على مَا لَا نقدر نَحن عَلَيْهِ من ذَلِك وَقَالُوا هم بل هُوَ غير قَادر على ذَلِك تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا وَقَوْلهمْ فِي تناهي الْقُدْرَة على قسْمَة الله تَعَالَى الْأَجْزَاء هُوَ القَوْل بِأَن الله تَعَالَى يبلغ من الْخلق إِلَى مِقْدَار مَا ثمَّ لَا يقدر على الزِّيَادَة عَلَيْهِ ويبقي حسيراً عَاجِزا تَعَالَى الله عَن هَذَا الْكفْر ولعمري أَن أَبَا الهزيل شيخ المثبتين للجزء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ ليحن إِلَى هَذَا الْمَذْهَب حنيناً شَدِيدا وَقد صرح بِأَن لما يقدر الله عَلَيْهِ كمالاً وآخراً لَو خرج إِلَى الْفِعْل لم يكن الله تَعَالَى قَادِرًا بعده على تَحْرِيك سَاكن وَلَا تسكين متحرك وَلَا على فعل شَيْء أصلا ثمَّ تدارك كفره فَقَالَ وَلَا يخرج الآخر أبدا إِلَى حد الْفِعْل
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَيُقَال لَهُ مَا الْمَانِع من خُرُوجه وَالنِّهَايَة حاصرة لَهُ وَالْفِعْل قَائِم فَلَا بُد مَعَ طول الزَّمَان من الْبلُوغ إِلَى ذَلِك الآخر
قَالَ أَبُو مُحَمَّد نَعُوذ بِاللَّه من الضلال والاعتراض الرَّابِع هوأن قَالُوا أَيّمَا أَكثر أَجزَاء الْجَبَل أَو أَجزَاء الخردلة وَأَيّمَا أَكثر أَجزَاء الخردلة أَو أَجزَاء الخردلتين قَالُوا فَإِن قُلْتُمْ بل أَجزَاء الخردلتين وأجزاء الْجَبَل صَدقْتُمْ وأقررتم بتناهي التجزيء وَهُوَ القَوْل بالجزء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ وَإِن قُلْتُمْ لَيْسَ أَجزَاء الْجَبَل أَكثر من أَجزَاء الخردلة وَلَا أَجزَاء الخردلتين أَكثر من أَجزَاء الخردلة كابرتم العيان لِأَنَّهُ لَا يحدث فِي الخردلة جزؤ إِلَّا وَيحدث فِي الخردلتين جزآن وَفِي الْجَبَل أَجزَاء وَادعوا علينا أننا نقُول إِن فِي كل جسم أَجزَاء لَا نِهَايَة لعددها وَلَا آخر لَهَا وَأَن من قطع بِالْمَشْيِ مَكَانا مَا أَو قطع بالجلمتين شَيْئا فَإِنَّمَا قطع مَا لَا نِهَايَة لعدده وَقَالُوا أَن عُمْدَة حجتكم على الدهرية هُوَ هَذَا الْمَعْنى نَفسه فِي إلزامكم إيَّاهُم وجوب الْقلَّة وَالْكَثْرَة فِي عدد الْأَشْخَاص وأوقات الزَّمَان وإيجابكم أَن كل مَا حصره الْعدَد فذو نِهَايَة وإنكاركم على الدهرية وجود أشخاص وأزمان لَا نِهَايَة لعددها قَالُوا ثمَّ نقضتم كل ذَلِك فِي هَذَا الْمَكَان