قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَالْأَمر أبين من أَن يطول فِيهِ الْخطاب وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَالصَّوَاب فِي ذَلِك أَن كل مَا فِي الْعَالم من جسم أَو عرض فِي جسم أَو أثر من جسم فَهُوَ خلق الله عز وَجل فَكل ذَلِك فعل الله عز وَجل بِمَعْنى أَنه خلقه وكل ذَلِك مُضَاف بِنَصّ الْقُرْآن وبحكم اللُّغَة إِلَى مَا ظَهرت مِنْهُ من حَيّ أَو جماد قَالَ تَعَالَى {فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج} فنسب عز وَجل الاهتزاز والإنبات والربو إِلَى الأَرْض وَقَالَ {تلفح وُجُوههم النَّار} فَأخْبر تَعَالَى أَن النَّار تلفح وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن يستغيثوا يغاثوا بِمَاء كَالْمهْلِ يشوي الْوُجُوه} فَأخْبر عز وَجل أَن المَاء يشوي الْوُجُوه وَقَالَ تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} فَسمى تَعَالَى الْمُخطئ قَاتلا وَأوجب عَلَيْهِ حكما وَهُوَ لم يقْصد قَتله قطّ لكنه تولد عَن فعله وَقَالَ تَعَالَى {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} فَأخْبر تَعَالَى أَن الْكَلم وَالْعَمَل عرض من الْأَعْرَاض وَقَالَ تَعَالَى {أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم} وَقَالَ تَعَالَى {على شفا جرف هار فانهار بِهِ} وَلم تخْتَلف أمة وَلَا لُغَة فِي صِحَة قَول الْقَائِل مَاتَ فلَان وَسقط الْحَائِط فنسب الله تَعَالَى وَجَمِيع خلقه الْمَوْت إِلَى الْمَيِّت والسقوط إِلَى الْحَائِط والانهيار إِلَى الجرف لظُهُور كل ذَلِك مِنْهَا لَيْسَ فِي الْقُرْآن وَلَا فِي السّنَن وَلَا فِي الْعُقُول شَيْء غير هَذَا الحكم وَمن خَالف هَذَا فقد اعْترض على الله تَعَالَى وعَلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى جَمِيع الْأُمَم وعَلى جَمِيع عُقُولهمْ وَهَذِه صفة من عظمت مصيبته بِنَفسِهِ وَمن لَا دين لَهُ وَلَا عقل وَلَا حَيَاء وَلَا علم وَصَحَّ بِكُل مَا ذكرنَا أَن إِضَافَة كل أثر فِي الْعَالم إِلَى الله تَعَالَى هِيَ على غير إِضَافَته إِلَى من ظهر مِنْهُ فَأَما إِضَافَته إِلَى الله تَعَالَى فَلِأَنَّهُ خلقه وَأما إِضَافَته إِلَى من ظهر مِنْهُ أَو تولد عَنهُ فلظهوره مِنْهُ اتبَاعا لِلْقُرْآنِ وَلِجَمِيعِ اللُّغَات ولسنن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل هَذِه الإخبارات وكلتا هَاتين الإضافتين حق لَا مجَاز فِي شَيْء من ذَلِك لِأَنَّهُ لَا فرق بَين مَا ظهر من حَيّ مُخْتَار أَو من غير حَيّ مُخْتَار فِي أَن كل ذَلِك ظَاهر فَمَا ظهر مِنْهُ وَأَنه مَخْلُوق لله تَعَالَى إِلَّا ان الله تَعَالَى خلق فِي الْحَيّ اخْتِيَارا لما ظهر مِنْهُ وَلم يخلق الِاخْتِيَار فِيمَا لَيْسَ حَيا وَلَا مرِيدا فَمَا تولد عَن فعل فَاعل فَهُوَ فعل الله عز وَجل بِمَعْنى أَنه خلقه وَهُوَ فعل مَا ظهر بِمَعْنى أَنه ظهر مِنْهُ مِنْهُ قَالَ الله تَعَالَى {فَلم تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِن الله قَتلهمْ وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} وَقَالَ تَعَالَى {أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ أأنتم تزرعونه أم نَحن الزارعون} وَهَذَا نَص قَوْلنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
الْكَلَام فِي المداخلة والمجاورة والكمون
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذهب الْقَائِلُونَ بِأَن الألوان أجسام إِلَى المداخلة وَمعنى هَذِه اللَّفْظَة أَن الجسمين يتداخلان فيكونان جَمِيعًا فِي مَكَان وَاحِد
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا كَلَام فَاسد لما سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْكَلَام فِي الْأَجْسَام والأعراض من ديواننا هَذَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق من ذَلِك أَن كل جسم فَلهُ مساحة وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلهُ مَكَان زَائِد وَإِذ لَهُ مَكَان بِقدر مساحته وَلَا بُد فَإِن كل جسم زيد عَلَيْهِ جسم آخر فَإِن ذَلِك الْجِسْم الزَّائِد يحْتَاج إِلَى مَكَان زَائِد من أجل مساحته الزَّائِدَة هَذَا أَمر يعلم بِالْمُشَاهَدَةِ فَإِن اخْتَلَط الْأَمر على من لم يتمرن فِي معرفَة حُدُود الْكَلَام من أجل مَا يرى فِي الْأَجْسَام المتخلخلة من تخَلّل الْأَجْسَام المايعة لَهَا فَإِنَّمَا هَذَا الْآن فِي خلال أَجزَاء تِلْكَ الْأَجْسَام المتخلخلة خروقاً صغَارًا مَمْلُوءَة هَوَاء فَإِذا صب عَلَيْهَا المَاء أَو مَائِع مَا مَلأ تِلْكَ الخروق وَخرج عَنْهَا الْهَوَاء الَّذِي كَانَ فِيهِ وَهَذَا ظَاهر للعين محسوس خُرُوج الْهَوَاء عَنْهَا بنفاخات وَصَوت من كل مَا يخرج عَنهُ الْهَوَاء مسرعاً وَالَّذِي ذكرنَا فَإِنَّهُ إِذا تمّ خُرُوج الْهَوَاء عَنهُ وَزيد فِي عدد الْمَائِع رَبًّا وَاحْتَاجَ إِلَى مَكَان زَائِد وَأما الَّذِي ذكرنَا قبل فَإِنَّهُ فِي الْأَجْسَام المكتنزة كَمَاء صب على مَاء أَو دهن على دهن أَو دهن على مَاء وَهَكَذَا فِي كل شَيْء من هَذِه الْأَنْوَاع وَغَيرهَا