فَهَذَا عمر رَضِي الله عَنهُ يبطل إِحَالَة الطبائع وَهَذَا نَص قَوْلنَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين كثيرا وَقد نَص الله عز وَجل على مَا قُلْنَا فَقَالَ تَعَالَى {فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى} فاخبر تَعَالَى أَن عمل أُولَئِكَ السَّحَرَة إِنَّمَا كَانَ تخييلا لَا حَقِيقَة لَهُ وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى} فَأخْبر تَعَالَى أَنه كيد لَا حَقِيقَة لَهُ فَإِن قيل قد قَالَ الله عز وَحل {سحروا أعين النَّاس واسترهبوهم وجاؤوا بِسحر عَظِيم} قُلْنَا نعم إِنَّهَا حيل عَظِيمَة وإثم عَظِيم إِذْ قصدُوا بهَا مُعَارضَة معجزات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانهم كَادُوا عُيُون النَّاس إِذْ أوهموهم أَن تِلْكَ الحبال والعصي تسعي فاتفقت الْآيَات كلهَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَكَانَ الَّذِي قدر مِمَّن لَا يدْرِي حيلهم أَنَّهَا تسْعَى ظنا أَصله الْيَقِين وَذَلِكَ انهم رَأَوْا صفة حيات رقط طوال تضطرب فسارعوا إِلَى الظَّن وقدروا أَنَّهَا ذَوَات حيات وَلَو منعُوا الظَّن وفتشوها لوقفوا على الْحِيلَة فِيهَا وَأَنَّهَا ملئت زئبقا ولد فِيهَا تِلْكَ الحركات كَمَا يفعل العجائبي الَّذِي يضْرب بسكينة فِي جسم إِنْسَان فيظن من رَآهُ مِمَّن لَا يدْرِي حيلته أَن السكين غاصت فِي جَسَد الْمَضْرُوب وَلَيْسَ كَذَلِك بل كَانَ نِصَاب السكين مثقوبا فَقَط فغاصت السكين فِي النّصاب وَكَاد خَاله خيطا فِي حَلقَة خَاتم يمسك إِنْسَان مِنْهُم طرفِي الْخط بيدَيْهِ ثمَّ يَأْخُذ العجائبي الْخَاتم الَّذِي فِيهِ الْخَيط بِفِيهِ وَفِي ذَلِك الْمقَام أدخلهُ تَحت يَده وَكَانَ فِي فِيهِ خَاتم أُخْرَى يري من حضر حَلقَة الْخَاتم الَّذِي فِي فِيهِ يوهمهم انه قد أخرجه من الْخَيط ثمَّ يرد فَمه إِلَى الْخَيط وَيرْفَع يَدَيْهِ وفمه فَينْظر الْخَاتم الَّذِي كَانَ فِيهِ الْخَيط وَكَذَلِكَ سَائِر حيلهم وَقد وقفنا عَلَيْهَا جَمِيعهَا فَهَذَا هُوَ معنى قَوْله تَعَالَى سحروا أعين النَّاس أَو استرهبوهم أَي انهم أوهموا النَّاس فِيمَا رَأَوْا ظنونا متوهمة لَا حَقِيقَة لَهَا وَلَو فتشوها للاح لَهُم الْحق وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فيتعلمون مِنْهُمَا مَا يفرقون بِهِ بَين الْمَرْء وزوجه} فَهَذَا أَمر مُمكن يَفْعَله التَّمام وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سحره لبيد بن الأعصم فولد ذَلِك عَلَيْهِ مَرضا حَتَّى كَانَ يظنّ أَنه فعل الشَّيْء وَهُوَ لم يَفْعَله فَلَيْسَ فِي هَذَا أَيْضا إِحَالَة طبيعية وَلَا قلب عين وَإِنَّمَا هُوَ تَأْثِير بِقُوَّة لتِلْك الصِّنَاعَة كَمَا قُلْنَا فِي الطلسمات والرقي فَلَا فرق وَنحن نجد الْإِنْسَان يسب أَو يُقَابل بحركة يغْضب مِنْهَا فيستحيل من الْحلم إِلَى الطيش وَمن السّكُون إِلَى الْحَرَكَة والنزق حَتَّى يُقَارب حَال المجانين أَو رُبمَا أمرضه ذَلِك وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِن من الْبَيَان لسحرا لِأَن من الْبَيَان مَا يُؤثر فِي النَّفس فيثيرها أَو يسكنهَا عَن ثورانها ويحيلها عَن عزماتها وعَلى هَذَا الْمَعْنى اسْتعْملت الشُّعَرَاء ذكر سحر الْعُيُون لاستمالتها للنفوس فَقَط قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَيُقَال لمن قَالَ أَن السحر يحِيل الْأَعْيَان ويقلب الطبائع أخبرونا إِذا جَازَ هَذَا فَأَي فرق بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والساحر وَلَعَلَّ جَمِيع الْأَنْبِيَاء كَانُوا سحرة كَمَا قَالَ فِرْعَوْن عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحر} {إِن هَذَا لمكر مكرتموه فِي الْمَدِينَة لتخرجوا مِنْهَا أَهلهَا} وَإِذا جَازَ أَن يقلب سحرة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عصيهم وأحبالهم حيات وقلب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَصَاهُ حَيَّة وَكَانَ كلا الآمرين حَقِيقَة فقد صدق فِرْعَوْن بِلَا شكّ فِي أَنه سَاحر مثلهم إِلَّا أَنه أعلم بِهِ فَقَط وحاشا لله من هَذَا بل مَا كَانَ فعل السَّحَرَة إِلَّا من حيل أبي الْعَجَائِب فَقَط فان لجؤا إِلَى مَا ذكره الباقلاني من التحدي قيل لَهُم هَذَا بَاطِل من وُجُوه أَحدهَا إِن اشْتِرَاط التحدي فِي كَون آيَة النَّبِي آيَة دَعْوَى كَاذِبَة سخيفة لَا دَلِيل على صِحَّتهَا لَا من قُرْآن وَلَا من سنة صَحِيحَة وَلَا سقيمة وَلَا من إِجْمَاع وَلَا من قَول صَاحب وَلَا من حجَّة عقل وَلَا قَالَ بِهَذَا أحد قطّ قبل هَذَا الْفرْقَة الضعيفة وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ فِي غَايَة السُّقُوط والهجنة قَالَ الله عز وَجل {قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين} فَوَجَبَ