من أهل زَمَاننَا وَغَيره فَكيف بِنَبِي مَعْصُوم مفضل فِي أَنه قتل الْخَيل اذا اشْتغل بهَا عَن الصَّلَاة قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذِه خرافة مَوْضُوعَة مكذوبة سخيفة بَارِدَة قد جمعت أفانين من القَوْل وَالظَّاهِر أَنَّهَا من اختراع زنديق بِلَا شكّ لِأَن فِيهَا معاقبة خيل لَا ذَنْب لَهَا والتمثيل بهَا واتلاف مَال منتفع بِهِ بِلَا معنى وَنسبَة تَضْييع الصَّلَاة إِلَى نَبِي مُرْسل ثمَّ يُعَاقب الْخَيل على ذَنبه لَا على ذنبها وَهَذَا أَمر لَا يستجيزه صبي ابْن سبع سِنِين فَكيف بِنَبِي مُرْسل وَمعنى هَذِه الْآيَة ظَاهر بَين وَهُوَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أخبر أَنه أحب حب الْخَيْر من أجل ذكر ربه حَتَّى تَوَارَتْ الشَّمْس بالحجاب أَو حَتَّى تَوَارَتْ تِلْكَ الصافنات الْجِيَاد بحجابها ثمَّ أَمر بردهَا فَطَفِقَ مسحا بسوقها وأعناقها بِيَدِهِ برا بهَا وإكراماً لَهَا هَذَا هُوَ ظَاهر الْآيَة الَّذِي لَا يحْتَمل غَيره وَلَيْسَ فِيهَا إِشَارَة أصلا إِلَى مَا ذَكرُوهُ من قتل الْخَيل وتعطيل الصَّلَاة وكل هَذَا قد قَالَه ثِقَات الْمُسلمين فَكيف وَلَا حجَّة فِي قَول أحد دون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكروا أَيْضا الحَدِيث الثَّابِت من قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لاطوفن اللَّيْلَة على كَذَا وَكَذَا امْرَأَة كل امْرَأَة مِنْهُنَّ تَلد فَارِسًا يُقَاتل فِي سَبِيل الله وَلم يقل إِن شَاءَ الله.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا مَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ فَإِن من قصد تَكْثِير الْمُؤمنِينَ الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله عز وَجل فقد أحسن وَلَا يجوز أَن يظنّ بِهِ أَنه يجهل أَن ذَلِك لَا يكون إِلَّا أَن يَشَاء الله عز وَجل وَقد جَاءَ فِي نَص الحَدِيث الْمَذْكُور أَنه إِنَّمَا ترك إِن شَاءَ الله نِسْيَانا فأوخذ بِالنِّسْيَانِ فِي ذَلِك وَقد قصد الْخَيْر وَهَذَا نَص قَوْلنَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين تمّ الْكَلَام فِي سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
فصل وَذكروا قَوْله تَعَالَى {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي أتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا فَأتبعهُ الشَّيْطَان فَكَانَ من الغاوين} .
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا مَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَص الْآيَة وَلَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن هَذَا الْمَذْكُور كَانَ نَبيا وَقد يكون أنباء الله تَعَالَى لهَذَا الْمَذْكُور آيَاته أَنه أرسل إِلَيْهِ رَسُولا بآياته كَمَا فعل بفرعون وَغَيره فأنسلخ مِنْهَا بالتكذيب فَكَانَ من الغاوين وَإِذا صَحَّ أَن نَبيا لَا يعْصى الله عز وَجل تعمداً فَمن الْمحَال أَن يُعَاقِبهُ الله تَعَالَى على مَا لَا يفعل وَلَا عُقُوبَة أعظم من الْحَط عَن النُّبُوَّة وَلَا يجوز أَن يُعَاقب بذلك نَبِي الْبَتَّةَ لِأَنَّهُ لَا يكون مِنْهُ مَا يسْتَحق بِهِ هَذَا الْعقَاب وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فصح يَقِينا أَن هَذَا المنسلخ لم يكن قطّ نَبيا وَذكروا قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مَا من أحد إِلَّا من ألم بذنب أَو كَاد إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا صَحِيح وَلَيْسَ خلافًا لقولنا إِذْ قد بَينا ان الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام