أَي لن نضيق عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَأما إِذا مَا ابتلاه فَقدر عَلَيْهِ رزقه} أَي ضيق عَلَيْهِ فَظن يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام أَن الله تَعَالَى لَا يضيق عَلَيْهِ فِي مغاضبته لِقَوْمِهِ إِذْ ظن أَنه محسن فِي فعله ذَلِك وَإِنَّمَا نهى الله عز وَجل لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَن يكون كصاحب الْحُوت فَنعم نَهَاهُ الله عز وَجل عَن مغاضبته قومه وَأمره بِالصبرِ على أذاهم وبالمطاولة لَهُم وَأما قَول الله تَعَالَى أَنه اسْتحق الذَّم والملامة لَوْلَا النِّعْمَة الَّتِي تَدَارُكه بهَا للبث معاقباً فِي بطن الْحُوت فَهَذَا نفس مَا قُلْنَاهُ من ان الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام يؤاخذون فِي الدُّنْيَا على مَا فَعَلُوهُ مِمَّا يَظُنُّونَهُ خيرا وقربة إِلَى الله عز وَجل إِذا لم يُوَافق مُرَاد رَبهم وعَلى هَذَا الْوَجْه أقرّ على نَفسه بِأَنَّهُ كَانَ من الظَّالِمين وَالظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه فَلَمَّا وضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المغاضبة فِي غير موضعهَا اعْترف فِي ذَلِك بالظلم لَا على أَنه قَصده وَهُوَ يدْرِي أَنه ظلم انْقَضى الْكَلَام فِي يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق.
الْكَلَام فِي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
وَذكروا أَيْضا قَول الله تَعَالَى حاكياً عَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام {وَهل أَتَاك نبأ الْخصم إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب إِذْ دخلُوا على دَاوُد فَفَزعَ مِنْهُم قَالُوا لَا تخف خصمان} إِلَى قَوْله {فغفرنا لَهُ ذَلِك} قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا قَول صَادِق صَحِيح لَا يدل على شَيْء مِمَّا قَالَه المستهزئون الْكَاذِبُونَ المتعلقون بخرافات وَلَدهَا الْيَهُود وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك الْخصم قوما من بني آدم بِلَا شكّ مختصمين فِي نعاج من الْغنم على الْحَقِيقَة بَينهم بغى أَحدهمَا على الآخر على نَص الْآيَة وَمن قَالَ أَنهم كَانُوا مَلَائِكَة معرضين بِأَمْر النِّسَاء فقد كذب على الله عز وَجل وَقَوله مَا لم يقل وَزَاد فِي الْقُرْآن مَا لَيْسَ فِيهِ وَكذب الله عز وَجل وَأقر على نَفسه الخبيثة أَنه كذب الْمَلَائِكَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَهل أَتَاك نبأ الْخصم} فَقَالَ هُوَ لم يَكُونُوا قطّ خصمين وَلَا بغي بَعضهم على بعض وَلَا كَانَ قطّ لأَحَدهمَا تسع وَتسْعُونَ نعجة وَلَا كَانَ للْآخر نعجة وَاحِدَة وَلَا قَالَ لَهُ أكفلنيها فاعجبوا لم يقحمون فِيهِ أهل الْبَاطِل أنفسهم ونعوذ بِاللَّه من الخذلان ثمَّ كل ذَلِك بِلَا دَلِيل بل الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَة وتالله أَن كل أمرئ منا ليصون نَفسه وجاره المستور عَن أَن يتعشق امْرَأَة جَاره ثمَّ يعرض زَوجهَا للْقَتْل عمدا ليتزوجها وَعَن أَن يتْرك صلَاته لطائر يرَاهُ هَذِه أَفعَال السُّفَهَاء المتهوكين الْفُسَّاق المتمردين لَا أَفعَال أهل الْبر وَالتَّقوى فَكيف برَسُول الله دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي أُوحِي إِلَيْهِ كِتَابه وأجرى على لِسَانه كَلَامه لقد نزهه الله عز وَجل عَن أَن يمر مثل هَذَا الْفُحْش بِبَالِهِ فَكيف أَن يستضيف إِلَى أَفعاله وَأما استغفاره وخروره سَاجِدا ومغفرة الله تَعَالَى لَهُ فالأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام أولى النَّاس بِهَذِهِ الْأَفْعَال الْكَرِيمَة وَالِاسْتِغْفَار فعل خير لَا يُنكر من ملك وَلَا من