عَنْهُمَا وَفِي قصَّة إِبْنِ مكنوم رَضِي الله عَنهُ وَرُبمَا يبغض الْمَكْرُوه فِي الدُّنْيَا كَالَّذي أصَاب آدم وَيُونُس عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام بخلافنا فِي هَذَا فإننا غير مؤآخذين بِمَا سهونا فِيهِ وَلَا بِمَا قصدنا بِهِ وَجه الله عز وَجل فَلم يُصَادف مُرَاده تَعَالَى بل نَحن مأجورون على هَذَا الْوَجْه أجرا وَاحِدًا وَقد أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله تَعَالَى قرن بِكُل أحد شَيْطَانا وَأَن الله تَعَالَى أَعَانَهُ على شَيْطَانه فَاسْلَمْ فَلَا يَأْمُرهُ إِلَّا بِخَير وَأما الْمَلَائِكَة فبرآء من كل هَذَا لأَنهم خلقُوا من نور مَحْض لَا شوب فِيهِ والنور خير كُله لَا كدر فِيهِ حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف حَدثنَا أَحْمد بن فتح حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عِيسَى حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا مُسلم بن الْحجَّاج عَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلقت الْمَلَائِكَة من نور وَخلق الجان من مارج من نَار وَخلق آدم مِمَّا وصف
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) واحتجت الطَّائِفَة الأولى بآيَات من الْقُرْآن وأخبار وَردت وَنحن إِن شَاءَ الله عز وَجل نذكرها ونبين غلطهم فِيهَا بالبراهين الْوَاضِحَة الضرورية وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فمما احْتَجُّوا بِهِ قَول الله عز وَجل {وَعصى آدم ربه فغوى} وَقَوله تَعَالَى {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين} قَالُوا فقر بهَا آدم فَكَانَ من الظَّالِمين وَقد عصى وغوى وَقَالَ تَعَالَى {فَتَابَ عَلَيْهِ} والمتاب لَا يكون إِلَّا من ذَنْب وَقَالَ تَعَالَى {فازلهما الشَّيْطَان} وإزلال الشَّيْطَان مَعْصِيّة وَذكروا قَول الله تَعَالَى {فَلَمَّا آتاهما صَالحا جعلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتاهما} هَذَا كل مَا ذكرُوا فِي آدم عَلَيْهِ السَّلَام
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا كُله بِخِلَاف مَا ظنُّوا أما قَوْله تَعَالَى وَعصى آدم ربه فغوى فقد علمنَا أَن كل خلاف لأمر آمُر فصورته صُورَة الْمعْصِيَة فيسمى مَعْصِيّة لذَلِك وغواية إِلَّا أَنه مِنْهُ مَا يكون عَن عَن عمد وَذكر فَهَذِهِ مَعْصِيّة على الْحَقِيقَة لِأَن فاعلها قَاصد إِلَى الْمعْصِيَة وَهُوَ يدْرِي أَنَّهَا مَعْصِيّة وَهَذَا هُوَ الَّذِي نزهها عَنهُ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَمِنْه مَا يكون عَن قصد إِلَى خلاف ماأمر بِهِ وَهُوَ يتاول فِي ذَلِك الْخَيْر وَلَا يدْرِي أَنه عَاص بذلك بل يظنّ أَنه مُطِيع لله تَعَالَى أَو أَن ذَلِك مُبَاح لَهُ لِأَنَّهُ يتاول أَن الْأَمر الْوَارِد عَلَيْهِ لَيْسَ على معنى الْإِيجَاب وَلَا على التَّحْرِيم لَكِن أما على النّدب أَن كَانَ بِلَفْظ الْأَمر أَو الْكَرَاهِيَة إِن كَانَ بِلَفْظ النَّهْي وَهَذَا شَيْء يَقع فِيهِ الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء الأفاضل كثيرا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقع من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ويؤاخذون بِهِ إِذا وَقع مِنْهُم وعَلى هَذَا السَّبِيل أكل آدم من الشَّجَرَة وَمعنى قَوْله تَعَالَى {فتكونا من الظَّالِمين} أَي ظالمين لأنفسكما وَالظُّلم فِي اللُّغَة وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه فَمن وضع الْأَمر أَو النَّهْي فِي مَوضِع النّدب أَو الْكَرَاهِيَة فقد وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَهَذَا الظُّلم من هَذَا النَّوْع من الظُّلم الَّذِي يَقع بِغَيْر قصد وَلَيْسَ مَعْصِيّة لَا الظُّلم الَّذِي هُوَ الْقَصْد إِلَى الْمعْصِيَة وَهُوَ يدْرِي أَنَّهَا مَعْصِيّة وبرهان هَذَا مَا قد نَصه الله تَعَالَى من أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام لم يَأْكُل من الشَّجَرَة إِلَّا بعد أَن أقسم لَهُ إِبْلِيس أَن نهى الله عز وَجل لَهما عَن أكل الشَّجَرَة لَيْسَ على التَّحْرِيم وإنهما لَا يستحقان بذلك عُقُوبَة أصلا بل يستحقان بذلك الْجَزَاء الْحسن وَفَوْز الْأَبَد قَالَ تَعَالَى حاكياً عَن إِبْلِيس أَنه
{وَقَالَ مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين وقاسمهما أَنِّي لَكمَا لمن الناصحين فدلاهما بغرور}