قد أَيقَن أَنه لَا يكون أبدا وَلَكِن الَّذِي كَانَ وَوَقع فإننا نتكلم فِيهِ وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد قد أَمر زِيَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل أهل الأَرْض وهم أهل الْحُدَيْبِيَة بِأَن يحلقوا وينحروا فتوقفوا حَتَّى أَمرهم ثَلَاثًا وَغَضب عَلَيْهِ السَّلَام وشكا ذَلِك إِلَى أم سَلمَة فَمَا كفرُوا بذلك وَلَكِن كَانَت مَعْصِيّة تداركهم الله بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا وَمَا قَالَ مُسلم قطّ أَنهم كفرُوا بذلك لأَنهم لم يعاندوه وَلَا كذبوه وَقد قَالَ سعد بن عبَادَة وَالله يَا رَسُول الله لِأَن وجدت لكاع يتفخذها رجل ادعهما حَتَّى آتى بأَرْبعَة شُهَدَاء قَالَ نعم قَالَ إِذن وَالله يقْضِي إربه وَالله لَا تجللنهما للسيف فَلم يكن بذلك كَافِرًا إِذْ لم يكن عانداً وَلَا مُكَذبا بل أقرّ أَنه يدْرِي أَن الله تَعَالَى أَمر بِخِلَاف ذَلِك وسألوا أَيْضا عَمَّا قَالَ أَنا أَدْرِي أَن الْحَج إِلَى مَكَّة فرض وَلَكِن لَا أَدْرِي أَهِي بالحجاز أم بخراسان أم بالأندلس وَأَنا أَدْرِي أَن الْخِنْزِير حرَام وَلَكِن لَا أَدْرِي أهوَ هَذَا الْمَوْصُوف الأقرن أم الَّذِي يحرث بِهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وجوابنا هُوَ أَن من قَالَ هَذَا فَإِن كَانَ جَاهِلا علم وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِن المشببين لَا يعْرفُونَ هَذَا إِذا أَسْلمُوا حَتَّى يعلمُوا وَإِن كَانَ عَالما فَهُوَ عابث مستهزئ بآيَات الله تَعَالَى فَهُوَ كَافِر مُرْتَد حَلَال الدَّم وَالْمَال وَمن قذف عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَهُوَ كَافِر لتكذيبه الْقُرْآن وَقد قَذفهَا مسطح وَحمْنَة فَلم يكفرا لِأَنَّهُمَا لم يَكُونَا حِينَئِذٍ مكذبين لله تَعَالَى وَلَو قذفاها بعد نزُول الْآيَة لكفر وَأما من سبّ أحدا من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَإِن كَانَ جَاهِلا فمعذور وَإِن قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة فتمادى غير معاند فَهُوَ فَاسق كمن زنى وسرق وَإِن عاند الله تَعَالَى فِي ذَلِك وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كَافِر وَقد قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن حَاطِب وحاطب مهَاجر يدْرِي دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَمَا كَانَ عمر بتكفيره حَاطِبًا كَافِرًا بل كَانَ مخطئاً متأولاً وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة النِّفَاق بغض الْأَنْصَار وَقَالَ لعَلي لَا يبغضك إِلَّا مُنَافِق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَمن أبْغض الْأَنْصَار لأجل نصرتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كَافِر لِأَنَّهُ وجد الْحَرج فِي نَفسه مِمَّا قد قضى الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِظْهَار الْإِيمَان بِأَيْدِيهِم وَمن عادى عليا لمثل ذَلِك فَهُوَ أَيْضا كَافِر وَكَذَلِكَ من عادى من ينصر الْإِسْلَام لأجل نصْرَة الْإِسْلَام لَا لغير ذَلِك وَقد فرق بَعضهم بَين الِاخْتِلَاف فِي الْفتيا وَالِاخْتِلَاف فِي الِاعْتِقَاد بِأَن قَالَ قد اخْتلف أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْفتيا فَلم يكفر بَعضهم بَعْضًا وَلَا فسق بَعضهم بَعْضًا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء فقد حدث إِنْكَار الْقدر فِي أيامهم فَمَا كفرهم أَكثر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَقد اخْتلفُوا فِي الْفتيا على ذَلِك وسفكت الدِّمَاء كاختلافهم فِي تَقْدِيم بيعَة عَليّ على النّظر فِي قتلة عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم وَقد قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ من شَاءَ بأهلته عِنْد الْحجر الْأسود أَن الَّذِي أحصى رمل عالج لم يَجْعَل فِي فَرِيضَة وَاحِدَة نصفا وَنصفا وَثلثا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهنا أَقْوَال غَرِيبَة جدا فَاسِدَة مِنْهَا أَن أَقْوَامًا من الْخَوَارِج قَالُوا كل مَعْصِيّة فِيهَا حد فَلَيْسَتْ كفرا وكل مَعْصِيّة لَاحَدَّ فِيهَا فَهِيَ كفر
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا تحكم بِلَا برهَان وَدَعوى بِلَا دَلِيل وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِل قَالَ تَعَالَى {قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}