لِأَنَّهُ تَزْكِيَة وَقد نهى الله عز وَجل عَن ذَلِك فَقَالَ تَعَالَى {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} وَقد علمنَا أَنه لَا يعرى أحد من ذَنْب إِلَّا الْمَلَائِكَة والنبيين صلى الله عَلَيْهِم وَسلم وَأما من دونهم فَغير مَعْصُوم بل قد اخْتلف النَّاس فِي عصمَة الْمَلَائِكَة والنبيين عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِن كُنَّا قاطعين على خطأ من جوز على أحد من الْمَلَائِكَة ذَنبا صَغِيرا أَو كَبِيرا بعمد أَو خطأ من جوز على أحد من النَّبِيين ذَنبا بعمد صَغِيرا أَو كَبِيرا لَكنا أعلمنَا أَنه لم يتَّفق على ذَلِك قطّ وَإِن قَالَ بلَى قد كَانَ لي كَبِيرَة قيل لَهُ هَل كنت فِي حَال مواقفك الْكَبِيرَة شاكاً فِي الله عز وَجل أَو فِي رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو كَافِرًا بهما أم كنت موقناً بِاللَّه تَعَالَى وبالرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِمَا أَتَى بِهِ موقناً بأنك مسيء مُخطئ فِي ذَنْبك فَإِن قَالَ كنت كَافِرًا أَو شاكاً فَهُوَ أعلم بِنَفسِهِ وَيلْزمهُ أَن يُفَارق امْرَأَته وَأمته المسلمتين وَلَا يَرث من مَاتَ لَهُ من الْمُسلمين ثمَّ بعد ذَلِك لَا يجوز لَهُ أَن يقطع على غَيره من المذنبين بِمثل اعْتِقَاده فِي الْجحْد وَنحن نعلم بِالضَّرُورَةِ كذب دَعْوَاهُ وندري أننا فِي حِين مَا كَانَ منا ذَنْب مُؤمنُونَ بِاللَّه تَعَالَى وبرسوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن قَالَ بل كنت مُؤمنا بِاللَّه تَعَالَى وبرسوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَال ذَنبي قيل لَهُ هَذَا إبِْطَال مِنْك لِلْقَوْلِ بالنفاق وَالْقطع بِهِ على المذنبين

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَفِي إِجْمَاع الْأمة كلهَا دون مُخْتَلف من أحد مِنْهُم على أَن صَاحب الْكَبِيرَة مَأْمُور بِالصَّلَاةِ مَعَ الْمُسلمين وبصوم شهر رَمَضَان وَالْحج وبأخذ زَكَاة مَاله وَإِبَاحَة مناكحته وموارثته وَأكل ذَبِيحَته وبتركه يتَزَوَّج الْمَرْأَة الْمسلمَة الفاضلة ويبتاع الْأمة الْمسلمَة الفاضلة ويطأها وَتَحْرِيم دَمه وَمَاله وَأَن لَا يُؤْخَذ مِنْهُ جِزْيَة وَلَا يصغر برهَان صَحِيح على أَنه مُسلم مُؤمن وَفِي إِجْمَاع الْأمة كلهَا دون مُخَالف على تَحْرِيم قبُول شَهَادَته وَخَبره برهَان على أَنه فَاسق فصح يَقِينا أَنه مُؤمن فَاسق نَاقص الْإِيمَان عَن الْمُؤمن الَّذِي لَيْسَ بفاسق قَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تصيبوا قوما بِجَهَالَة فتصبحوا على مَا فَعلْتُمْ نادمين} فَأَما من قَالَ أَنه كَافِر نعْمَة فَمَا لَهُم حجَّة أصلا إِلَّا آن بَعضهم نزع بقول الله تَعَالَى {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار جَهَنَّم يصلونها وَبئسَ الْقَرار}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن نَص الْآيَة مُبْطل لقَولهم لِأَن الله تَعَالَى يَقُول مُتَّصِلا بقوله {وَبئسَ الْقَرار وَجعلُوا لله أنداداً ليضلوا عَن سَبيله} فصح أَن الْآيَة فِي الْمُشْركين بِلَا شكّ وَأَيْضًا فقد يكفر الْمَرْء نعْمَة الله وَلَا يكون كَافِرًا بل مُؤمنا بِاللَّه تَعَالَى كَافِرًا لَا نعْمَة بمعاصيه لَا كَافِرًا على الْإِطْلَاق وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق

الْكَلَام فِيمَن يكفر وَلَا يكفر

قَالَ أَبُو مُحَمَّد اخْتلف النَّاس فِي هَذَا الْبَاب فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن من خالفهم فِي شَيْء من مسَائِل الِاعْتِقَاد أَو فِي شَيْء من مسَائِل الْفتيا فَهُوَ كَافِر وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه كَافِر فِي بعض ذَلِك فَاسق غير كَافِر فِي بعضه على حسب مَا أدتهم إِلَيْهِ عُقُولهمْ وظنونهم وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن من خالفهم فِي مسَائِل الِاعْتِقَاد فَهُوَ كَافِر وَأَن من خالفهم فِي مسَائِل الْأَحْكَام والعبادات فَلَيْسَ كَافِرًا وَلَا فَاسِقًا وَلكنه مُجْتَهد مَعْذُور إِن أَخطَأ مأجور بنيته وَقَالَت طَائِفَة بِمثل هَذَا فِيمَن خالفهم فِي مسَائِل الْعِبَادَات وَقَالُوا فِيمَن خالفهم فِي مسَائِل الاعتقادات أَن كل الْخلاف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015