لَكَانَ غير مُنكر أَن يُكَلف الله تَعَالَى الْأَعْمَى إِدْرَاك الألوان والمقعد الجري والطلوع إِلَى السَّمَاء ثمَّ يعذبهم عِنْد عدم ذَلِك مِنْهُم وَللَّه تَعَالَى أَن يعذب من شَاءَ دون ان يكلفه وَأَن ينعم من شَاءَ دون ان يكلفه كَمَا رزق من شَاءَ الْعقل وَحرمه الجماد وَالْحِجَارَة وَسَائِر الْحَيَوَان وَجعل عِيسَى بن مَرْيَم نَبيا فِي المهد حِين وِلَادَته وَشد على قلب فِرْعَوْن فَلم يُؤمن قَالَ تَعَالَى {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} وَلَيْسَ فِي بداية الْعُقُول حسن وَلَا قَبِيح لعَينه الْبَتَّةَ وَقَالَت الْمُعْتَزلَة مَتى أعطي الْإِنْسَان الِاسْتِطَاعَة أقبل وجود الْفِعْل فَإِن كَانَ قبل وجود الْفِعْل قَالُوا فَهَذَا قَوْلنَا وَإِن كَانَ حِين وجود الْفِعْل فَمَا حاجتنا إِلَيْهَا فجوابنا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن الِاسْتِطَاعَة قِسْمَانِ كَمَا قُلْنَا فأحدهما قبل الْفِعْل وَهُوَ سَلامَة الْجَوَارِح وارتفاع الْمَوَانِع وَالثَّانِي مَعَ الْفِعْل وَهُوَ خلق الله للْفِعْل فِي فَاعله ولولاهما لم يَقع الْفِعْل كَمَا قَالَ الله عز وَجل وَلَو كَانَت الِاسْتِطَاعَة لَا تكون إِلَّا قبل الْفِعْل وَلَا بُد وَلَا تكون مَعَ الْفِعْل أصلا كَمَا زعم أَبُو الهزيل لَكَانَ الْفَاعِل إِذا فعل عديم الِاسْتِطَاعَة وفاعلاً فعلا لَا استطاعة لَهُ على فعله حِين فعله وَإِذ لَا استطاعة لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ عَاجز عَنهُ فَهُوَ فَاعل عَاجز عَمَّا يفعل مَعًا وَهَذَا تنَاقض ومحال ظَاهر
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَهُم الزامات سخيفة هِيَ لَازِمَة لَهُم كَمَا تلْزم غَيرهم سَوَاء بِسَوَاء مِنْهَا قَوْلهم مَتى أحرقت النَّار الْعود أَفِي حَال سَلَامَته أم وَهُوَ غير محترق فَإِن كَانَت أحرقته فِي حَال سَلَامَته فَهُوَ إِذا محرق غير محرق وَإِن كَانَت أحرقته وَهُوَ محرق فَمَا الَّذِي فعلت فِيهِ وكسؤالهم مَتى كسر الْمَرْء الْعود أكسره وَهُوَ صَحِيح فَهُوَ إِذا مكسور صَحِيح أَو كَسره وَهُوَ مكسور فَمَا الَّذِي أحدث فِيهِ وكسؤالهم مَتى أعتق الْمَرْء عَبده فِي حَال رقّه فَهُوَ حر عبد مَعًا أَو فِي حَال عتقه فَأَي معنى لعتقه إِيَّاه وَمَتى طلق الْمَرْء زَوجته أطلقها وَهِي غير مُطلقَة فَهِيَ مُطلقَة لَا مُطلقَة مَعًا أم طَلقهَا وَهِي مُطلقَة فَمَا الَّذِي أثر فِيهَا طَلَاقه وَمَتى مَاتَ الْمَرْء فِي حَيَاته مَاتَ أم وَهُوَ ميت وَمثل هَذَا كثير
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكل هَذِه سفسطة وسؤالات سخيفة مموهة وَالْحق فيهاأن تَفْرِيق النَّار إزاء مَا عملت فِيهِ هُوَ الْمُسَمّى إحراقا وَلَيْسَ للإحراق شَيْء غير ذَلِك فَقَوْلهم هَل أحرقت وَهُوَ محرق تَخْلِيط لِأَن فِيهِ أَيهَا مَا أَن الإحراق غير الإحراق وَهَذِه سخافة وَكَذَلِكَ كسر الْعود إِنَّمَا هُوَ إِخْرَاجه عَن حَال الصِّحَّة وَالْكَسْر نَفسه هُوَ حَال الْعود حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ إِخْرَاج العَبْد من الرّقّ إِلَى عتقه هُوَ عتقه وَلَا مزِيد لَيست لَهُ حَال أُخْرَى وَكَذَلِكَ خُرُوج الْمَرْأَة من الزَّوْجِيَّة إِلَى الطَّلَاق هُوَ تطليقها نَفسه وَكَذَلِكَ فِرَاق الرّوح للجسد وَهُوَ الإماتة وَالْمَوْت نَفسه وَلَا مزِيد وَلَيْسَت هَا هُنَا حَال أُخْرَى وَقع الْفِعْل فِيهَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
الْكَلَام فِي أَن إتْمَام الِاسْتِطَاعَة لَا يكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل لَا قبله
قَالَ أَبُو مُحَمَّد يُقَال لمن قَالَ أَن الِاسْتِطَاعَة كلهَا لَيست إِلَّا قبل الْفِعْل وَأَنَّهَا قبل الْفِعْل بِتَمَامِهَا وَتَكون أَيْضا مَعَ الْفِعْل أخبرونا عَن الْكَافِر هَل يقدر قبل أَن يُؤمن فِي حَال كفره على الْإِيمَان قدرَة تَامَّة أم لَا وَعَن تَارِك الصَّلَاة هَل يقدر قدرَة تَامَّة على الصَّلَاة فِي حَال تَركه وَعَن الزَّانِي هَل يقدر فِي حَال زِنَاهُ على ترك الزِّنَا بِأَن لَا يكون مِنْهُ زنا أصلا أم لَا وَبِالْجُمْلَةِ فإلا وَأمر كلهَا إِنَّمَا هِيَ امْرَهْ بحركة أوَامِر بِسُكُون أوَامِر باعتقاد إِثْبَات شَيْء مَا أَو