رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُصحف قُرْآنًا وَالْقُرْآن كَلَام الله تَعَالَى بِإِجْمَاع الْأمة فالمصحف كَلَام الله تَعَالَى برهاننا على ذَلِك قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَمر بتعاهد الْقُرْآن وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّه أَشد تفصياً من صُدُور الرِّجَال من النعم من عقلهَا وَقَالَ الله تَعَالَى {بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم} فَالَّذِي فِي الصُّدُور هُوَ الْقُرْآن وَهُوَ كَلَام الله على الْحَقِيقَة لَا مجَازًا ونقول كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن آيَة الْكُرْسِيّ أعظم آيَة فِي الْقُرْآن وَأَن أم الْقُرْآن فَاتِحَة الْكتاب لم ينزل فِي الْقُرْآن وَلَا فِي التَّوْرَاة وَلَا فِي الْإِنْجِيل مثلهَا وَأَن {قل هُوَ الله أحد} تعدل ثلث الْقُرْآن وَقَالَ الله عز وَجل {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} فَإِن قَالُوا إِنَّمَا يتفاضل الْأجر على قِرَاءَة ذَلِك قُلْنَا لَهُم نعم وَلَا شكّ فِي ذَلِك وَلَا يكون التَّفَاضُل فِي شَيْء مِمَّا يكون فِيهِ التَّفَاضُل إِلَّا فِي الصِّفَات الَّتِي هِيَ أَعْرَاض فِي الْمَوْصُوف بهَا وَأما فِي الذوات فَلَا ونقول أَيْضا أَن الْقُرْآن هُوَ كَلَام الله تَعَالَى وَهُوَ علمه وَلَيْسَ شَيْئا غير الْبَارِي تَعَالَى برهَان ذَلِك قَول الله عز وَجل {وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك إِلَى أجل مُسَمّى لقضي بَينهم} وَقَالَ تَعَالَى {وتمت كلمة رَبك صدقا وعدلاً لَا مبدل لكلماته} وباليقين يدْرِي كل ذِي فهم أَنه تَعَالَى إِنَّمَا عني سَابق علمه الَّذِي سلف بِمَا ينفذهُ ويقضيه
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ خَمْسَة معَان يعبر عَن كل معنى مِنْهَا بِأَنَّهُ قُرْآن وَأَنه كَلَام الله ويخبر عَن كل وَاحِد مِنْهَا إِخْبَارًا صَحِيحا بِأَنَّهُ الْقُرْآن وَأَنه كَلَام الله تَعَالَى بِنَصّ الْقُرْآن وَالسّنة للَّذين أجمع عَلَيْهِمَا جَمِيع الْأمة وَأما الصَّوْت فَهُوَ هَوَاء مندفع من الْحلق والصدر والحك وَاللِّسَان والأسنان والشفتين إِلَى آذان السامعين وَهُوَ حُرُوف الهجاء والهواء وحروف الهجاء والهواء كل ذَلِك مَخْلُوق بِلَا خلاف قَالَ الله عز وَجل {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه ليبين لَهُم} وَقَالَ تَعَالَى {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} وَاللِّسَان الْعَرَبِيّ ولسان كل قوم هِيَ لغتهم وَاللِّسَان واللغات كل ذَلِك مَخْلُوق بِلَا شكّ والمعاني الْمعبر عَنْهَا بالْكلَام الْمُؤلف من الْحُرُوف الْمُؤَلّفَة إِنَّمَا هِيَ الله تَعَالَى وَالْمَلَائِكَة والنبيون وسموات وأرضون وَمَا فيهمَا من الْأَشْيَاء وَصَلَاة وَزَكَاة وَذكر أُمَم خَالِيَة وَالْجنَّة وَالنَّار وَسَائِر الطَّاعَات وَسَائِر أَعمال الدّين وكل ذَلِك مَخْلُوق حاشا لله وَحده لَا شريك لَهُ خَالق كل مَا دونه وَأما الْمُصحف فَإِنَّمَا هُوَ ورق من جُلُود الْحَيَوَان ومركب مِنْهَا من مداد مؤلف من صمغ وزاج وعفص وَمَاء وكل ذَلِك مَخْلُوق وَكَذَلِكَ حَرَكَة الْيَد فِي حطه وحركة اللِّسَان فِي قِرَاءَته واستقرار كل ذَلِك فِي النُّفُوس هَذِه كلهَا أَعْرَاض مخلوقة وَكَذَلِكَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ كلمة لله وَهُوَ مَخْلُوق بِلَا شكّ قَالَ الله تَعَالَى {بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمه الْمَسِيح} وَأما علم الله تَعَالَى فَلم يزل وَهُوَ كَلَام الله تَعَالَى وَهُوَ الْقُرْآن وَهُوَ غير مَخْلُوق لَيْسَ هُوَ غير الله تَعَالَى أصلا وَمن قَالَ أَن شَيْئا غير الله تَعَالَى لم يزل مَعَ الله عز وَجل فقد جعل لله عز وَجل شَرِيكا ونقول أَن لله عز وَجل كلَاما حَقِيقَة وَأَنه تَعَالَى كلم مُوسَى وَمن كلم من الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام تكليماً حَقِيقَة لَا مجَازًا وَلَا يجوز أَن يُقَال الْبَتَّةَ أَن الله تَعَالَى مُتَكَلم لِأَنَّهُ لم يسم بذلك نَفسه وَمن قَالَ أَن الله تَعَالَى مُكَلم مُوسَى لم يُنكره لِأَنَّهُ يخبر عَن فعله تَعَالَى الَّذِي لم يكن ثمَّ كَانَ وَلَا يحل لأحد أَن يَقُول إِنَّمَا قُلْنَا إِن لله تَعَالَى كلَاما لنفي الخرس عَنهُ لما ذكرنَا قبل من أَنه إِن كَانَ يَعْنِي الخرس الْمَعْهُود فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي إِلَّا بالْكلَام الْمَعْهُود الَّذِي هُوَ حَرَكَة اللِّسَان والشفتين وَإِن كَانَ إِنَّمَا يَنْفِي خرساً غير مَعْهُود فَهَذَا لَا يعقل أصلا وَلَا يفهم