فِي الأَرْض المقفرة وَفِي مَوضِع قَبِيح غير مسلوك فَأَطْلقهُ وَأَقْبل بِهِ وَحفظه كحفظ الشّعْر للعين وأطارهم كَمَا يستطير الْعقَاب بفراخها وتحوم عَلَيْهَا وتبسط جناحها حفظا لَهَا فَأقبل بهم وَحَملهمْ على مَنْكِبَيْه وَحده كَانَ فالرب وَحده كَانَ قائدهم وَلم يكن مَعَه إِلَه غَيره فجعلهم فِي أشرف أرضه ليأكلوا خبزها ويصيبوا عسل حجارتها وزيت جنادلها وَسمن مواشيها وَلبن ضأنها وشحوم خرفانها وكباش بني بِلِسَان وَلُحُوم التيوس ولباب البرودم الْعِنَب وتعاصوا سمنوا ودبروا وأشعوا ثمَّ تخلوا من الله خالقهم وَكَفرُوا بِاللَّه مسلمهم فألجوه لعبادتهم الْأَوْثَان إِلَى أَن سخط عَلَيْهِم ولسجودهم للشَّيْطَان لَا لله ولسجودهم لألهة بالأجناس كَانُوا يجهلونها وَلم يعدها قبلهم آباؤهم فتحلوا من الله الَّذِي ولدهم فنسوا الرب خالقهم فَبَصر الرب بِهَذَا وَغَضب لَهُ إِذْ تخلى بنوه وَبنَاته فَقَالَ اخفي وَجْهي عَنْهُم حَتَّى أعلم آخر أَمرهم فَإِنَّهَا أمة كَافِرَة عاصية وَقد أسخطوني بِعبَادة من لَيْسَ إِلَهًا وأغضبوني بفواحشهم وسأغيرهم على يَدي أمة ضَعِيفَة وأخف بهم على يَدي أمة جاهلة ويتقدم غَضَبي نَار تحرق إِلَى الْهَوَاء فتأتي على الأَرْض بمعاتسته وَتذهب أصُول الْجبَال فأجمع عَلَيْهِم بأسى وأثقبهم بنبلي وأهلكهم جوعا وأجعلهم طعماً للطير وأسلط عَلَيْهِم أَنْيَاب السبَاع وأعصب عَلَيْهِم الْحَيَاة فَإِن برزوا أهلكتهم رماحاً وَإِن تحَصَّنُوا أهلكت الشَّاب مِنْهُم والعذار والطفل وَالشَّيْخ رعْبًا حَتَّى أَقُول أَيْن هم فأقطع من الأَرْض ذكرهم لكني رفهت عَنْهُم لشدَّة حرد أعدائهم لِئَلَّا يزهوا ويقولوا أَيْدِينَا القوية فعلت لَا الرب فَهَذِهِ الْأمة لَا رأى لَهَا وَلَا تَمْيِيز فليتها عرفت وفهمت وأبصرت مَا يُدْرِكهَا فِي آخر أمرهَا كَيفَ يتبع وَاحِد مِنْهُم ألفا ويفر عَن اثْنَيْنِ عشرَة آلَاف أما هَذَا بِأَن رَبهم أسلمهم وربهم أعلق فيهم لَيْسَ إلهنا مثل آلِهَتهم وَصَارَ حكما كرمهم من كرم سدوم وعناقيدهم من أرباض عامورا فعناقيدهم عناقيد المرارة وشرابهم مرَارَة الثعابين وَمن السم الَّذِي لَا دَوَاء لَهُ أما هَذَا فِي علمي ومعروف فِي خزائني لي الانتقام وَأَنا أكافئ فِي وقته فترهق أَرْجُلكُم فَكَانَ قد حَان وَقت خرابهم وَإِلَى ذَلِك تسرع الْأَزْمِنَة سيحكم الرب على أمته وَيرْحَم عبيده إِذا أبصرهم قد ضعفوا وأغلق عَلَيْهِم وذهبوا وَذهب أواخرهم وَقَالَ أَيْن آلِهَتهم الَّتِي يَتَّقُونَ الَّتِي يَتَّقُونَ ويأكلون من قُرْبَانهمْ وَيَشْرَبُونَ مِنْهُ فليقوموا وليغيثوهم فِي وَقت حَاجتهم فتبصروا تبصروا أَنا وحدي وَلَا إِلَه غَيْرِي أَنا أميت وَأَنا أحيي وَأَنا أمرض وأناأبرئ وَلَا يتَخَلَّص شيئ من يَدي فأرفع إِلَى السَّمَاء يَدي وَأَقُول بحياتي الدائمة لَئِن حددت رُمْحِي كالصاعقة وابتدأت يَمِيني بالجكم لَا كافاني أعدائي وَأهل السنان وَلَا سكرن نبلى دَمًا وَلَا قطعن برمحي لحوما فامدحوا يَا معشر الْأَجْنَاس أمة فَإِنَّهُ سيأخذ بدماء عبيده وينتقم من أعدائهم وَيرْحَم أَرضهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ هَذِه السُّورَة الَّتِي أبيحت لَهُم وَأمرُوا بحفظها وكتابتها لَا مَا سواهَا بِنَصّ توراتهم بزعمهم وَقد بَينا قبل أَنهم لم يشتغلوا بعد موت سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لَا بِهَذِهِ السُّورَة وَلَا بغَيْرهَا إِلَّا مُدَّة الْمُلُوك الْخَمْسَة فَقَط لأَنهم قد عبدُوا كلهم الْأَوْثَان وَقتلُوا الْأَنْبِيَاء وأخافوهم وشردوهم هَذَا مَا لَا يشك فِيهِ كَافِر وَلَا مُؤمن
على أَن فِي هَذِه السُّورَة من الفضائح مَا لَا يجوز أَن ينْسب إِلَى الله عز وَجل مثل قَوْله إِن الله تَعَالَى هُوَ أبوهم الَّذِي ولدهم وَأَنَّهُمْ بنوه وَبنَاته حاش لله من هَذَا وَهل طرق لِلنَّصَارَى وَسَهل