وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَوَّلًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَكَّلَهُ بِالْخُصُوصِ فِيهِ، أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّعْوَيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى نَقْلِ مِلْكِ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ، فَصُدِّقَ فِيهِ وَجُعِلَ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ نَقَلَ إلَيْهِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَوَّلًا لِغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْقُلَ مِلْكِهِ إلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا لَمْ يَدَّعِ انْتِقَالَهُ مِنْ جِهَتِهِ إلَيْهِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهِ إلَيْهِ، صَارَ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ مُكَذِّبًا لَهُ شَرْعًا فِي دَعْوَى الثَّانِي، فَلَا يُصَدَّقُ.
وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُضِيفُ مِلْكَ مُوَكِّلِهِ إلَى نَفْسِهِ، فَيَقُولُ هَذَا لِي بِمَعْنَى أَنَّ لِي حَقَّ الْخُصُومَةِ فِيهِ، وَحَقَّ الْقَبْضِ، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهَا لِي، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا لِمُوَكِّلِي أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ فَصُدِّقَ فِيهِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَوَّلًا لِمُوَكِّلِهِ، لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِمُوَكِّلِهِ بِإِقْرَارِهِ، وَأَقَرَّ أَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ لَهُ، فَإِذَا قَالَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ شُهُودٌ، فَقَوْلُ الشُّهُودِ، لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّفْسِيرِ لِدَعْوَاهُ، وَهُوَ لَا يُضِيفُ مِلْكَ نَفْسِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ، فَصَارَ بِدَعْوَاهُ الْأُولَى مُكَذِّبًا شُهُودَهُ فِي الثَّانِي، فَلَا يُقْبَلُ.
606 - إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِوَلَدِ جَارِيَتِهِ أَنَّهُ مِنْهُ، ثُمَّ أَرَادَ نَفْيَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.