وَحَكَى الْقَضِيَّةَ إلَى آخِرِهَا فَإِنَّ هَذَا سِحْرٌ فَقَدْ تَصَوَّرَهُ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سِحْرٌ فَهَذَا هُوَ تَعَلُّمُهُ فَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّمُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ كَضَرْبِ الْعُودِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُتُبُ السِّحْرِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ كَتَعَلُّمِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِهِ الْإِنْسَانُ كَمَا نَقُولُ إنَّ النَّصَارَى يَعْتَقِدُونَ فِي عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَا وَالصَّابِئَةَ يَعْتَقِدُونَ فِي النُّجُومِ كَذَا وَنَتَعَلَّمُ مَذَاهِبَهُمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى نَرُدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَهُوَ قُرْبَةٌ لَا كُفْرٌ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنْ كَانَ تَعَلَّمَ السِّحْرَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنْ عَمِلَ السِّحْرَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ لِيُفَرِّقَ بِهِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِينَ عَلَى الزِّنَا أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ بِالْبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ أَوْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِجَيْشِ الْكُفْرِ فَيَقْتُلُونَ بِهِ مَلِكَهُمْ هَذَا كُلُّهُ قُرْبَةٌ أَوْ يَصْنَعُهُ مَحَبَّةً بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ يَتَعَلَّمَهُ قَاصِدًا بِتَعَلُّمِهِ تَحْصِيلَ أَثَرِهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اقْتَضَى ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ كُفْرٌ.
قَالَ: (وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّمُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ كَضَرْبِ الْعُودِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ قُرْبَةٌ لَا كُفْرٌ) قُلْتُ مُرَادُ الطُّرْطُوشِيِّ تَعَلَّمُهُ لِتَجْرِبَةِ حُصُولِ أَثَرِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ قَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ تَعَلُّمَهُ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَةِ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ فَنَقُولُ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ عَمَلَ السِّحْرِ الْمَقْصُودِ بِهِ تَحْصِيلُ أَثَرِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ كُفْرًا أَوْ دَلِيلُ الْكُفْرِ بِوَضْعِ الشَّارِعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ كَمَا سَبَقَ وَتَوَهَّمَ كَوْنَهُ إذَا كَانَ أَثَرُهُ أَمْرًا مُبَاحًا الْتِبَاسُهُ فِي الشَّرْعِ كَانَ عِلْمُهُ مُبَاحًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَافَةِ إنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنْ اجْتِهَادٍ فَلَا يُنْقَلُ وَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ يَقِينٍ إلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَمَّا جَازَ نَفْيُ وَلَدِ الْأَمَةِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى جَازَ نَفْيُهُ بِالْقَافَةِ اهـ بِلَفْظِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْوَصْلُ الثَّانِي) خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَبُولِ الْقَافَةِ فِي الْقَضَاءِ بِثُبُوتِ الْأَنْسَابِ فَقَالَ الْحُكْمُ بِالْقَافَةِ بَاطِلٌ قَالَ الْأَصْلُ لَنَا خَمْسَةُ وُجُوهٍ
(الْأَوَّلُ) مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ أَلَمْ تَرَيْ إلَى مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ نَظَرَ إلَى أُسَامَةَ وَزَيْدٍ عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَبَنَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَكَانَ أَبْيَضَ، وَابْنُهُ أُسَامَةُ أَسْوَدَ فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِهِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَانَتِهِ مِنْهُ فَلَمَّا قَالَ مُجَزِّزٌ ذَلِكَ سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَدْسُ بَاطِلًا شَرْعًا لَمَا سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُسَرُّ بِالْبَاطِلِ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ إقْرَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الشَّيْءِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَقَدْ أَقَرَّ مُجَزِّزًا عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ حَقًّا مَشْرُوعًا لَا يُقَالُ النِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ إلْحَاقُ الْوَلَدِ، وَهَذَا كَانَ مُلْحَقًا بِأَبِيهِ فِي الْفِرَاشِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ مَحَلُّ النِّزَاعِ لِأَنَّا نَقُولُ مُرَادُنَا هَاهُنَا أَنَّ الشَّبَهَ الْخَاصَّ مُعْتَبَرٌ، وَلَيْسَ مُرَادُنَا أَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ بِمُجَزِّزٍ، وَلَا يُقَالُ أَيْضًا أَنَّ سُرُورَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَكْذِيبِ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ الْقِيَافَةِ، وَتَكْذِيبُ الْمُنَافِقِينَ حَاصِلٌ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ لِيُؤَيِّدَ هَذَا الدَّيْنَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» فَقَدْ يُفْضِي الْبَاطِلُ لِلْخَيْرِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَعَدَمُ إنْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْبَاطِلَ، وَهُوَ لَا يُقِرُّهُ لِأَنَّ مُجَزِّزًا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ الْقِيَافَةِ فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ بِهِ بِنَاءً عَلَى الْقَرَائِنِ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَآهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ (لِأَنَّا نَقُولُ) كَيْفَ يَسْتَقِيمُ السُّرُورُ مَعَ بُطْلَانِ مُسْتَنَدِ التَّكْذِيبِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ كَذِبِهِمْ رَجُلٌ كَاذِبٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ كَذِبُهُمْ إذَا كَانَ الْمُسْتَنَدُ حَقًّا فَيَكُونُ الشَّبَهُ حَقًّا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَانْدَفَعَ بِهَذَا قَوْلُكُمْ أَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يَأْتِي بِالْخَيْرِ، وَالْمَصْلَحَةُ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ مَا أَتَى بِشَيْءٍ، وَقَوْلُكُمْ أَخْبَرَ بِهِ لِرُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ لِأَجْلِ الْقَرَائِنِ يَقْتَضِي أَمْرَيْنِ: (الْأَوَّلَ) نَفْيُ فَائِدَةِ اخْتِصَاصِ السُّرُورِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يُشْرِكُونَهُ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ (الثَّانِيَ) نَفْيُ فَائِدَةِ ذِكْرِ الْأَقْدَامِ إذْ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَيْءٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ طَعْنُ الْمُشْرِكِينَ ثَابِتًا مَعَهُ لَمَّا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ اخْتِصَاصِ السُّرُورِ، وَبِقَوْلِهِ، وَذِكْرُ الْأَقْدَامِ فَائِدَةٌ.
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْعَجْلَانِيُّ «إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا وَكَذَا فَأَرَاهُ قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَلَمَّا أَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» فَصَرَّحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ وُجُودَ صِفَاتِ أَحَدِهِمَا أَيْ الْوَالِدِ فِي الْآخَرِ أَيْ الْوَلَدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ نَسَبٍ وَاحِدٍ، وَمَجِيءُ الْوَحْيِ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ يُشْبِهُهُ مُؤَسِّسٌ لِمَا يَقُولُهُ، وَالْحُكْمُ بِالشَّبَهِ أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ فِي الْفِرَاشِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِرِ الْحَالِ، وَالشَّبَهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَكَوْنُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُعْطَ عِلْمَ الْقِيَافَةِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُعْطِيَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ سَلَّمْنَا لَكِنْ عَنْ ضَابِطِ الْقَائِفِينَ أَنَّ الشَّبَهَ مَتَى كَانَ كَذَا فَهُمْ يَحْكُمُونَ بِكَذَا لَا أَنَّهُ ادَّعَى عِلْمَ الْقِيَافَةِ بَلْ كَمَا يَقُولُ يَقُولُ الْإِنْسَانُ: الْأَطِبَّاءُ يُدَاوُونَ الْمَحْمُومَ بِكَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَبِيبًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ بِالْوَلَدِ لِشَرِيكٍ لِأَنَّهُ زَانٍ، وَالْوَلَدُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِهِ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي الْأَمَةَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ كُلًّا وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَأَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ