ذَلِكَ وَيَعْضُدُهُ حَدِيثُ الْقَائِلِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ «السَّوْدَاءِ لَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ» قَالَ، وَلَوْ كُوشِفَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى الصِّفَاتِ لَمْ يَعْلَمْهَا (قُلْتُ) فَنَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْجَزْمُ بِنَفْيِهَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْعِلْمِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ الْعَالِمُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُرِيدُ فَمَنْ نَفَى أَصْلَ الْمَعْنَى وَحُكْمَهُ هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَى كُفْرِهِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ دُونَ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــSذَلِكَ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ الْقَائِلِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لِيُعَذِّبَنِّي، الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ «السَّوْدَاءِ لَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ اللَّهُ فَقَالَتْ فِي السَّمَاءِ» قَالَ وَلَوْ كُوشِفَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى الصِّفَاتِ لَمْ يَعْلَمْهَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ قُلْتُ: فَنَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْجَزْمُ بِنَفْيِهَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْعِلْمِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ الْعَالِمُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُرِيدُ فَمَنْ نَفَى أَصْلَ الْمَعْنَى وَحُكْمَهُ هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَى كُفْرِهِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ دُونَ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ) قُلْتُ: أَكْثَرُ ذَلِكَ كُلِّهِ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ إلَّا الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَكْفِي فِي مِثْلِهِ الظَّوَاهِرُ مَعَ تَعَيُّنِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَدِيثَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حَدِيثَ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ ظَاهِرُهُ يَنْفِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ وَاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ تَارَةً قَادِرًا وَتَارَةً غَيْرَ قَادِرٍ، وَلَيْسَ ظَاهِرُهُ نَفْيَ أَنَّهُ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ السَّوْدَاءِ ظَاهِرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَقِرٌّ فِي السَّمَاءِ اسْتِقْرَارَ الْأَجْسَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ دُونَ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا حَتَّى يُفَرِّقَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا.
(وَمِنْهَا) مَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْحَاضِنَةُ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْحُكْمِ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا قَوْلَانِ (وَمِنْهَا) مَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ تَحِيضِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ الطَّلَاقُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ نُطْقِهِ قَوْلَانِ اخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْحُكْمِ (وَمِنْهَا) السَّلَمُ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ اُخْتُلِفَ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ كَالسَّلَمِ الصَّحِيحِ حَتَّى يُبَاشِرَهُ الْحُكْمُ بِالْفَسْخِ (وَمِنْهَا) مَا إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ، وَكَانَ الْكِرَاءُ لِقَصْدِ أَمْرٍ لَهُ أَبَانَ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ كَالْحَجِّ وَالْخُرُوجِ إلَى الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ فَجَاءَهُ الْجَمَّالُ بِالْجِمَالِ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ قِيلَ يَنْفَسِخُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ كَالزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، وَقِيلَ لَا يَنْفَسِخُ لِتَوَقُّعِ الْحَجِّ وَالسَّفَرِ فِي وَقْتٍ ثَانٍ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا فِي الْحَجِّ وَحْدَهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَنَّهُ إذَا رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَفَسَخَهُ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنْ كِتَابِ قَيْدِ الْمُشْكِلِ (وَمِنْهَا) الْقَاضِي إذَا فَسَقَ هَلْ يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ فِسْقِهِ أَوْ لَا حَتَّى يَعْزِلَهُ الْإِمَامُ قَوْلَانِ.
(وَمِنْهَا) الْمُفْلِسُ إذَا قَسَّمَ مَالَهُ، وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُمْ شَيْئًا، وَوَافَقَهُ الْغُرَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ، وَيَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيلَ عَنْهُ الْحَاكِمُ حَجْرَ التَّفْلِيسِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ أَوْ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ، وَتَتَبُّعُ هَذَا يُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ اهـ كَلَامَ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ) وَهُوَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ أَنَّ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ
(الْأَوَّلُ) كُلُّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِحَقٍّ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا
(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى بِفَسَادٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ الظَّاهِرِ، وَلَا مِنْ الزَّنَادِقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ
(النَّوْعُ الثَّالِثُ) كُلُّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ غَيْرُ مُسْتَفِيضَةٍ بِالْأَسْبَابِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَبِالْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَبِالنِّكَاحَاتِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَبِالْوَلَاءِ الْقَدِيمِ، وَالْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ، وَبِالضَّرَرِ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (وَأَمَّا مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ) فَثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَيْضًا (الْأَوَّلُ) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ مُعَامَلَةً وَنَحْوَهَا انْتَفَتْ الظُّنُونُ وَالتُّهْمَةُ عَنْهُمْ وَيَتَحَقَّقُ بِمَسَائِلَ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ، وَمِمَّا لَا إعْذَارَ فِيهِ اسْتِفَاضَةُ الشَّهَادَاتِ الْمَشْهُودِ بِهَا عِنْدَ الْحُكَّامِ فِي الْأَسْبَابِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَفِي الْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، وَفِي النِّكَاحَاتِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَفِي الْوَلَاءِ الْقَدِيمِ، وَفِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ، وَفِي الضَّرَرِ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَفِي أَشْيَاءَ غَيْرِهَا يَطُولُ ذِكْرُهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَوْلُهُ، وَالضَّرَرُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْإِعْذَارَ فِي الشَّهَادَةِ بِالضَّرَرِ لِهَذِهِ الشَّهَادَاتِ بَابٌ مُسْتَوْعِبٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا انْعَقَدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي مَقَالٌ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَشَهِدَتْ بِهِ شُهُودُ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْفَذَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ عَلَى قَائِلِهَا، وَلَمْ يَعْذُرْ إلَيْهِ فِي شَهَادَةِ شُهُودِهَا لِكَوْنِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِلْمِهِ بِهَا، وَقَطْعِهِ بِحَقِيقَتِهَا، وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ قَالَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ، وَبِهِ جَرَى الْحُكْمُ وَالْعَمَلُ عِنْدَ الْحُكَّامِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ، وَرَأَيْت فِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ الْعَطَّارِ أَنَّ شُهُودَ الْمَجْلِسِ