وَأَمَّا الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَشَرَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا لَمْ نُؤْمَرْ بِإِزَالَتِهِ أَصْلًا، وَلَمْ نُؤَاخَذْ بِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَنَا لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ وَهُوَ جَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ الَّتِي لَمْ تَدُلَّ عَلَيْهَا الصَّنْعَةُ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْعَبْدُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالنَّظَرِ فَعَفَا عَنْهُ لِعَجْزِنَا عَنْهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك» وَقَوْلِ الصِّدِّيقِ الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إدْرَاكٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالتَّقْرِيرَيْنِ يَبْطُلُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الدَّوْرِ وَيَصِحُّ مَا قَالَهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ هِيَ الْمَصْلَحَةُ وَهِيَ تَابِعَةٌ وُجُودَ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْوَاجِبِ تَابِعٌ وُجُوبًا لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، وَالْمُوجِبُ لِتَوَهُّمِهِ الدَّوْرُ الْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ الْغَفْلَةُ عَنْ تَغَايُرِ جِهَتَيْ التَّبَعِيَّةِ، وَقَدْ انْزَاحَ الْإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْمَنِّ وَالْإِفْضَالِ.
قَالَ (وَأَمَّا الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهُمَا مَا لَمْ نُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهِ أَصْلًا، وَلَمْ نُؤَاخَذْ بِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَنَا لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ وَهُوَ جَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ الَّتِي لَمْ تَدُلَّ عَلَيْهَا الصَّنْعَةُ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْعَبْدُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالنَّظَرِ فَعَفَا عَنْهُ لِعَجْزِنَا عَنْهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك» وَقَوْلُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إدْرَاكٌ) .
قُلْتُ كَلَامُهُ هَذَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّ هُنَاكَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّنْعَةُ لَكِنَّا لَا نَعْلَمُهَا فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا نَعْلَمُهَا لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا فَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ إذْ مَسَاقُهُ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِثُبُوتِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّا لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ شِئْت التَّرَبُّصَ عَلَيْهِ فَإِنْ طَلُقَتْ أَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَحُجَّةُ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ بَرِيرَةَ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتِ أَمْلَكُ بِنَفْسِك إنْ شِئْت أَقَمْت مَعَ زَوْجِك، وَإِنْ شِئْت فَارَقْتِيهِ» ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي امْرَأَةِ الْمُعْتَرِضِ تَقُولُ لَا تُطَلِّقُونِي، وَأَنَا أَصْبِرُ إلَى أَجَلٍ آخَرَ قَالَ ذَلِكَ لَهَا ثُمَّ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَحْلِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ أَنَّهُ يُوقَفُ عَنْ امْرَأَتِهِ فَإِذَا جَاءَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قِيلَ لَهُ فَيْءٌ، وَإِلَّا طَلَّقْنَا عَلَيْك فَتَقُولُ امْرَأَتُهُ أَنَا أُنْظِرُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَذَلِكَ لَهَا ثُمَّ تَطْلُقُ مَتَى شَاءَتْ بِغَيْرِ أَمْرِ سُلْطَانٍ اهـ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا، وَلَا اعْتِرَاضَ بِمَا فِي السُّؤَالِ مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ لَا تُطَلِّقُونِي لِأَنَّهَا جَهِلَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا، وَلِأَنَّهُ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِالْبَيَانِ بِأَنَّهَا هِيَ الْمُطَلِّقَةُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ فَكَذَلِكَ تَكُونُ هِيَ الْمُطَلِّقَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إنْ أَحَبَّتْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَا اعْتِرَاضَ بِقَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُولِي، وَإِلَّا طَلَّقْنَا عَلَيْك لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّا نَجْعَلُ ذَلِكَ إلَى الْمَرْأَةِ فَتُنَفِّذُ هِيَ طَلَاقَهَا إنْ شَاءَتْ، وَطَلَاقُ الْمُولِي عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ تُوقِعُهُ الْمَرْأَةُ، وَهُوَ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقِسْمٌ يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ.
وَهُوَ إذَا قَالَ لَهَا إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفِيهَا أَقْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مُولٍ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا لِأَنَّ بَاقِيَ وَطْئِهِ بَعْدَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ حَرَامٌ فَإِذَا رَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُنَجِّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْهُ وَرَضِيَتْ بِالْمَقَامِ بِلَا وَطْءٍ فَلَهَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ سَمِعْت أَبَا مَرْوَانَ بْنَ مَالِكٍ الْقُرْطُبِيَّ يَسْتَحْسِنُ إيرَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَتَّابٍ وَيَقُولُ: لَوْ كَانَتْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لَعُدَّتْ مِنْ فَضَائِلِهِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ قَالَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَمَا طَلَّقَتْ بِهِ نَفْسَهَا جَازَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَجْزُومُ فَلَا خِيَارَ لَهَا حَتَّى تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ ثُمَّ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهَا أَمْرَهَا تَطْلُقُ مَتَى شَاءَتْ، وَلَكِنْ عَلَى السُّلْطَانِ إذَا كَرِهَتْهُ، وَأَرَادَتْ فِرَاقَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِوَاحِدَةٍ إذَا يَئِسَ مِنْ بُرْئِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ إلَّا أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ سَنَةٍ كَانَ مُوَسْوِسًا أَوْ يَغِيبُ مَرَّةً، وَيُفِيقُ أُخْرَى، وَهَذَا يُوَضِّحُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ مِنْ تَقْسِيمِ الطَّلَاقِ الْمَحْكُومِ بِهِ إلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ تُوَقِّعُ الْمَرْأَةُ خَاصَّةً دُونَ الْحَاكِمِ، وَقِسْمٌ يُنَفِّذُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَرِهَتْ إيقَاعَهُ كَزَوَاجِهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَتَزْوِيجِهَا مِمَّنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ، وَنِكَاحِهَا لِلْفَاسِقِ، وَمَنْ تَزَوَّجَتْ مَعَ وُجُودِ وَلَدِهَا، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ وَلِيُّهَا الَّذِي زَوَّجَهَا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَأَنْوَاعِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَهُوَ بَابٌ يَطُولُ تَعَدُّدُهُ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا تَفْلِيسُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَكَذَا بَيْعٌ أَعْتَقَهُ الْمِدْيَانُ لِتَعَارُضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ، وَحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ، وَكَانَ الزَّمَانُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَلَمْ يَفُتْ الْمَقْصُودُ فَإِذَا رَفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ نَظَرَ فِي ذَلِكَ فَيَفْسَخُهُ عَنْهُ إنْ كَانَ فِي الصَّبْرِ مَضَرَّةٌ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِغَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ كِتَابِ قَيْدِ الْمُشْكِلِ وَحَلِّ الْمُعْضَلِ لِابْنِ يَاسِين، وَمِنْهَا مَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْعَبْدِ إلَّا بِالْحُكْمِ لِتَعَارُضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ، وَحَقِّ السَّيِّدِ فِي الْمِلْكِ، وَحَقِّ الْعَبْدِ فِي تَخْلِيصِ الْكَسْبِ، وَأَيْضًا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي التَّكْمِيلِ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْحُكْمِ فَلَوْ رَضِيَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ، هُوَ وَسَيِّدُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ (وَمِنْهَا) مَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا