وَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِمْ وَلَا بِكَذِبِهِمْ.
(الْحَادِيَ عَشَرَ) أَخْذُ السُّرَّاقِ الْمُتَّهَمِينَ بِالتُّهَمِ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأُمَرَاءُ الْيَوْمَ دُونَ الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ وَالْبَيِّنَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهُ لِلصَّوَابِ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَاهُ الشَّرْعُ صَوْنًا لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ عَنْ الْقَطْعِ
(الثَّانِيَ عَشَرَ) أَخْذُ الْحَاكِمُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مِنْ التَّظَلُّمِ وَكَثْرَةِ الشَّكْوَى وَالْبُكَاءِ مَعَ كَوْنِ الْخَصْمِ مَشْهُورًا بِالْفَسَادِ وَالْعِنَادِ الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهُ لِلْحَقِّ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ مَنَعَهُ الشَّارِعُ مِنْهُ وَحَرَّمَهُ، وَلَا يَضُرُّ الْحَاكِمَ ضَيَاعُ حَقٍّ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ.
(الثَّالِثَ عَشَرَ) الْغَالِبُ عَلَى مَنْ وُجِدَ بَيْنَ فَخِذَيْ امْرَأَةِ، وَهُوَ مُتَحَرِّكٌ حَرَكَةَ الْوَاطِئِ، وَطَالَ الزَّمَانُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْلَجَ، وَالنَّادِرُ عَدَمُ ذَلِكَ فَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ هَذَا الْغَالِبَ سَتْرًا عَلَى عِبَادِهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِوَطْئِهِ، وَلَا بِعَدَمِهِ
(الرَّابِعَ عَشَرَ) شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ لِوَلَدِهِ الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ، وَقَدْ أَلْغَاهُ الشَّارِعُ، وَأَلْغَى كَذِبَهُ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(الْخَامِسَ عَشَرَ) شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ لِوَالِدِهِ الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِ وَلَا بِكَذِبِهِ بَلْ أَلْغَاهُمَا جُمْلَةً.
(السَّادِسَ عَشَرَ) شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ عَلَى خَصْمِهِ الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَقَدْ أَلْغَى الشَّارِعُ صِدْقَهُ وَكَذِبَهُ.
(السَّابِعَ عَشَرَ) شَهَادَةُ الْحَاكِمِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إذَا عُزِلَ، وَشَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ مُطْلَقًا إذَا وَقَعَتْ مِنْ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَقَدْ أَلْغَاهُ الشَّارِعُ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ
(الثَّامِنَ عَشَرَ) حُكْمُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ، وَهُوَ عَدْلٌ مُبْرِزٌ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ الْغَالِبُ أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِالْحَقِّ، وَالنَّادِرُ خِلَافُهُ، وَقَدْ أَلْغَى الشَّرْعُ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِهِ وَصِحَّتِهِ مَعًا
(التَّاسِعَ عَشَرَ) الْقُرْءُ الْوَاحِدُ فِي الْعَدَدِ الْغَالِبُ مَعَهُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، وَالنَّادِرُ شَغْلُهُ، وَلَمْ يَحْكُمْ الشَّارِعُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَنْضَافَ إلَيْهِ قُرْءَانِ آخَرَانِ.
(الْعِشْرُونَ) مَنْ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ سِنِينَ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا الْغَالِبُ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، وَالنَّادِرُ شُغْلُهُ بِالْوَلَدِ، وَقَدْ أَلْغَاهُمَا صَاحِبُ الشَّرْعِ مَعًا، وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْوَفَاءِ أَوْ الطَّلَاقِ لِأَنَّ وُقُوعَ الْحُكْمِ قَبْلَ سَبَبِهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَنَظَائِرُ فِي الشَّرْعِ كَثِيرَةٌ مِنْ الْغَالِبِ أَلْغَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَتَارَةً بَالَغَ فِي إلْغَائِهِ فَاعْتُبِرَ نَادِرُهُ دُونَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَهَذِهِ أَرْبَعُونَ مِثَالًا قَدْ سَرَدْتهَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَرْبَعِينَ جِنْسًا فَهِيَ أَرْبَعُونَ جِنْسًا قَدْ أُلْغِيَتْ (فَإِنْ قُلْت) أَنْتَ تَعَرَّضْت لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا أُلْغِيَ مِنْهُ، وَمَا لَمْ يَلْغُ، وَلَمْ تَذْكُرْهُ بَلْ ذَكَرْت
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَذْفِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ تَابَ، وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ تُقْبِلُ إذَا تَابَ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [النور: 5] إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إلَيْهِ أَوْ عَلَى الْجُمْلَةِ إلَّا مَا خَصَّصَهُ الْإِجْمَاعُ، وَهُوَ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَ الْحَدِّ اهـ.
قَالَ الْبَاجِيَّ قَالَ مَالِكٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ وَلَا قَبُولِ شَهَادَتِهِ تَكْذِيبُهُ لِنَفْسِهِ بَلْ صَلَاحُ حَالِهِ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيُّ لَا بُدَّ فِي تَوْبَةِ الْقَاذِفِ مِنْ تَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ لِأَنَّا قَضَيْنَا بِكَذِبِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَإِلَّا لَمَا فَسَّقْنَاهُ فَلَوْ لَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ لَكَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَذِبِ الَّذِي فَسَّقْنَاهُ لِأَجْلِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَعَلَيْهِ إشْكَالَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ فَتَكْذِيبُهُ لِنَفْسِهِ كَذِبٌ فَكَيْفَ تُشْتَرَطُ الْمَعْصِيَةُ فِي التَّوْبَةِ، وَهِيَ ضِدُّهَا، وَكَيْفَ نَجْعَلُ الْمَعَاصِيَ سَبَبَ صَلَاحِ الْعَبْدِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَرِفْعَتِهِ، وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا فِي قَذْفِهِ فَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ صَادِقًا فَهُوَ عَاصٍ لِأَنَّ تَعْبِيرَ الزَّانِي بِزِنَاهُ مَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ يَنْفَعُهُ تَكْذِيبُ نَفْسِهِ مَعَ كَوْنِهِ عَاصِيًا بِكُلِّ حَالٍ.
(وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ الْكَذِبَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ كَالرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَلِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَهَذَا التَّكْذِيبُ فِيهِ مَصْلَحَةُ السَّتْرِ عَلَى الْمَقْذُوفِ، وَتَقْلِيلُ الْأَذِيَّةِ وَالْفَضِيحَةِ عِنْدَ النَّاسِ، وَقَبُولُ شَهَادَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَعَوْدُهُ إلَى الْوِلَايَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ، وَتَصَرُّفُهُ فِي أَمْوَالِ أَوْلَادِهِ، وَتَزْوِيجُهُ لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ، وَتَعَرُّضُهُ لِلْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ
(وَعَنْ الثَّانِي) تَعْيِيرُ الزَّانِي بِزِنَاهُ صَغِيرَةٌ لَا تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ اهـ، وَقَالَ فِي الْبِدَايَةِ قَبْلَ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ الْفُقَهَاءُ فِي مَفْهُومِ اسْمِ الْعَدَالَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْفِسْقِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ هِيَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا لِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ مُجْتَنِبًا لِلْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْفِي فِي الْعَدَالَةِ ظَاهِرُ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ لَا تُعْلَمُ مِنْهُ جُرْحَةٌ اهـ وَقَالَ الْأَصْلُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ تَخْتَلِفُ بِالْقَدْحِ فِي الْعَدَالَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَعْصِيَةٍ يَسْقُطُ بِهَا الْعَدْلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعَدَالَةِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْإِطْلَاقِ فَقَطْ فَمَنَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أُصُولِ الدِّينِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الصَّغِيرَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَقَالُوا لَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ صَغِيرَةً بَلْ جَمِيعُ الْمَعَاصِي كَبَائِرُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ جَمِيعُ مَعَاصِيهِ كَبَائِرَ.
وَقَالَ غَيْرُهُمْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْفَرْقِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] فَجَعَلَ لِلْمَعْصِيَةِ رُتَبًا ثَلَاثًا كُفْرًا وَفُسُوقًا وَهُوَ الْكَبِيرَةُ، وَعِصْيَانًا وَهِيَ الصَّغِيرَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا لَكَانَ اللَّفْظُ فِي الْآيَةِ