الرُّطُوبَاتِ النَّاقِلَةِ لِلنَّجَاسَةِ، وَأَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ رِفْقًا بِالْعِبَادِ فَجَوَّزَ الصَّلَاةَ فِيهَا.
(الثَّانِي عَشَرَ) مَا يَصْنَعُهُ الْعَوَامُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ، وَلَا يَتَحَرَّزُونَ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْغَالِبِ نَجَاسَتُهُ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُ فَجَوَّزَ الشَّرْعُ الصَّلَاةَ فِيهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ تَوْسِعَةً وَلُطْفًا بِالْعِبَادِ
(الثَّالِثَ عَشَرَ) مَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ، وَيُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُعْلَمُ لَابِسُهُ كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ يُحْتَاطُ وَيُتَحَرَّزُ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْبِلَادِ الْعَوَامُّ وَالْفَسَقَةُ وَتُرَّاكُ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَمَنْ لَا يَتَحَرَّزُ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَالْغَالِبُ نَجَاسَةُ هَذَا الْمَلْبُوسِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُ فَأَثْبَتَ الشَّارِعُ حُكْمَ النَّادِرِ، وَأَلْغَى حُكْمَ الْغَالِبِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ.
(الرَّابِعَ عَشَرَ) الْحُصْرُ وَالْبُسُطُ الَّتِي قَدْ اسْوَدَّتْ مِنْ طُولِ مَا قَدْ لُبِسَتْ يَمْشِي عَلَيْهَا الْحُفَاةُ وَالصِّبْيَانُ، وَمَنْ يُصَلِّي، وَمَنْ لَا يُصَلِّي الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهَا لِلنَّجَاسَةِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا، وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ بَعْدَ أَنْ نَضَحَهُ بِمَاءٍ، وَالنَّضْحُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بَلْ يَنْشُرُهَا فَقَدَّمَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى حُكْمِ الْغَالِبِ.
(الْخَامِسَ عَشَرَ) الْحُفَاةُ الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهُمْ النَّجَاسَةَ، وَلَوْ فِي الطَّرَقَاتِ وَمَوَاضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ جَوَّزَ الشَّرْعُ صَلَاةَ الْحَافِي كَمَا جَوَّزَ لَهُ الصَّلَاةَ بِنَعْلِهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ رِجْلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمْشِي حَافِيًا، وَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِنَعْلِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَفَاءَ أَخَفُّ مِنْ تَحَمُّلِ النَّجَاسَةِ مِنْ النِّعَالِ فَقَدَّمَ الشَّارِعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ
(السَّادِسَ عَشَرَ) دَعْوَى الصَّالِحِ الْوَلِيِّ التَّقِيِّ عَلَى الْفَاجِرِ الشَّقِيِّ الْغَاصِبِ الظَّالِمِ دِرْهَمًا الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدَّمَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ، وَجَعَلَ الشَّرْعُ الْقَوْلَ قَوْلُ الْفَاجِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ بِإِسْقَاطِ الدَّعَاوَى عَنْهُمْ، وَانْدِرَاجُ الصَّالِحِ مَعَ غَيْرِهِ سَدًّا لِبَابِ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ.
(السَّابِعَ عَشَرَ) عَقْدُ الْجِزْيَةِ لِتَوَقُّعِ إسْلَامِ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ نَادِرٌ، وَالْغَالِبُ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَمَوْتُهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِمْرَارِ فَأَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ فِي عَدَمِ تَعْجِيلِ الْقَتْلِ وَحَسْمِ مَادَّةِ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ.
(الثَّامِنَ عَشَرُ) الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ الرِّيَاءُ، وَعَدَمُ الْإِخْلَاصِ، وَالنَّادِرُ الْإِخْلَاصُ، وَمُقْتَضَى الْغَالِبِ النَّهْيُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلرِّيَاءِ، وَوَسِيلَةُ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّارِعُ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQاُنْظُرْ الْعَاصِمِيَّةَ وَشُرَّاحَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْبَيِّنَاتِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ)
وَهُوَ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ ضَابِطِ قَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ، وَمَا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ ذَلِكَ الضَّابِطِ يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ، وَضَابِطُ قَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ أَنَّهُ كُلُّ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ أَحَدُ ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ ثَبَتَ تَرْجِيحُهُ عِنْدَ تَعَارُضِهَا
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَإِنْ مَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - التَّرْجِيحَ بِهَا مُحْتَجِّينَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الشَّهَادَةَ مُقَدَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ كَالدِّيَةِ لَا تَخْتَلِفُ بِزِيَادَةِ الْمَأْخُوذِ فِيهِ فَدِيَةُ الصَّغِيرِ الْحَقِيرِ كَدِيَةِ الْكَبِيرِ الشَّرِيفِ الْعَالِمِ الْعَظِيمِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ مِنْ الْفَسَقَةِ يَحْصُلُ الظَّنُّ أَكْثَرُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَعُلِمَ أَنَّهَا تَعَبُّدٌ لَا يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إذَا كَثُرُوا، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ، وَهِيَ صِفَةٌ لَاعْتُبِرَتْ زِيَادَةُ الْعَدَدِ، وَهِيَ بَيِّنَاتٌ مُعْتَبَرَةٌ إجْمَاعًا فَيَكُونُ اعْتِبَارُهَا أَوْلَى مِنْ الصِّفَةِ، وَالْعَدَدُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَالصِّفَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لَنَا وَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لَمَّا تُثِيرُهُ مِنْ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ فِي الْأَعْدَلِ أَقْوَى لِأَنَّ مُقِيمَ الْأَعْدَلِ أَقْرَبُ لِلصِّدْقِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ» فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ إذَا رَجَّحَ أَحَدُهُمَا.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الِاحْتِيَاطَ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فَإِذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ مَطْلُوبًا أَكْثَرُ فِي الشَّهَادَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ الْأَعْدَلِ، وَالظَّنُّ أَقْوَى فِيهَا قِيَاسًا عَلَى الْخَبَرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْمُدْرَكُ فِي هَذَا الْوَجْهِ الِاحْتِيَاطِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْجَامِعِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجَوَامِعُ فِي الْقِيَاسَاتِ تَعَدَّدَتْ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ وَصْفَ الْعَدَالَةِ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِنَا، وَهُوَ يَتَزَايَدُ فِي نَفْسِهِ فَمَا رَجَّحْنَا فِي مَوْطِنِ تَقْدِيرٍ، وَإِنَّمَا رَجَّحْنَا فِي مَوْطِنِ اجْتِهَادٍ.
(وَعَنْ الثَّانِي) إنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّ الظَّنَّ يُعْتَبَرُ كَيْفَ كَانَ بَلْ نَدَّعِي أَنَّ مَزِيدَ الظَّنِّ مُعْتَبَرٌ فِي التَّرْجِيحِ بَعْدَ حُصُولِ أَصْلٍ مُعْتَبَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ لَا تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ وَالْفَتَاوَى، وَإِنْ حَصَلَتْ ظَنًّا أَكْثَرَ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْأَقْيِسَةِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهَا مُدْرَكًا لِلْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، وَأَنَّ الْأَخْبَارَ وَالْأَقْيِسَةَ لَمَّا جُعِلَتْ مُدْرَكًا لِلْفُتْيَا دَخَلَهَا