أُلْغِيَ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَبْطِ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالْإِحْيَاءِ بِمُثَلَّثِهَا وَتَرْبِيعِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ فِيهَا، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَالْقِيَافَةُ صَحَّتْ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ.
(الْحُجَّةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) الْقُمُطُ وَشَوَاهِدُ الْحِيطَانِ قَالَ بِهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ قَالَ أَشْهَبُ إذَا تَدَاعَيَا جِدَارًا مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَيْهِ جُذُوعٌ لِلْآخَرِ فَهُوَ لِمَنْ اتَّصَلَ بِبِنَائِهِ.
وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ مَوْضِعُ جُذُوعِهِ لِأَنَّهُ جَوَّزَهُ، وَيَقْضِي بِالْجِدَارِ لِمَنْ إلَيْهِ عُقُودُ الْأَرْبِطَةِ، وَلِلْآخَرِ مَوْضِعُ جُذُوعِهِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ عَشْرُ خَشَبَاتٍ، وَلِلْآخَرِ خَمْسُ خَشَبَاتٍ وَلَا رَبْطَ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا عَلَى عَدَدِ الْخُشُبِ، وَبَقِيَتْ خَشَبَاتُهُمَا بِحَالِهَا، وَإِذَا انْكَسَرَتْ خُشُبُ أَحَدِهِمَا رَدَّ مِثْلَ مَا كَانَ، وَلَا يُجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا تَحْتَ خُشُبِهِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ عَقَدَهُ لِأَحَدِهِمَا مِنْ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَلِلْآخَرِ مِنْ مَوْضِعٍ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا عَلَى عَدَدِ الْعُقُودِ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ لِوَاحِدٍ، وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ خُشُبٌ مَعْقُودَةٌ بِعَقْدِ الْبِنَاءِ أَوْ مَثْقُوبَةٌ فَعَقْدُ الْبِنَاءِ يُوجِبُ مِلْكَ الْحَائِطِ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَالِكِ، وَقِيلَ لَا يُوجِبُهُ، وَقَالَ فِي الْمَثْقُوبَةِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا طَارِئَةٌ عَلَى الْحَائِطِ، وَالْكُوَى كَعَقْدِ الْبِنَاءِ تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَكُوَى الضَّوْءِ الْمَنْفُوذَةُ لَا دَلِيلَ فِيهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَقْدٌ، وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ خُشُبٌ، وَلَوْ وَاحِدَةً فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا كُوًى غَيْرَ مَنْفُوذَةٍ أَوْجَبَتْ الْمِلْكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَخَصُّ الْقَصَبُ لِأَحَدِهِمَا، وَالْقَصَبُ وَالطُّوبُ سَوَاهُ قُلْت الْمُدْرَكُ فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى كُلِّهَا شَوَاهِدُ الْعَادَاتِ فَمَنْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ عَادَةٌ قَضَى بِهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَوَائِدُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ وَجَبَ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ مَبْنِيٍّ عَلَى عَادَةٍ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ تَغَيَّرَ كَالنُّقُودِ وَمَنَافِعِ الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهِمَا
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إذَا تَنَازَعَا حَائِطًا مُبَيَّضًا هَلْ هُوَ مُنْعَطِفٌ لِدَارِك أَوْ لِدَارِهِ فَأَمَرَ الْحَاكِمُ بِكَشْفِ الْبَيَاضِ لِيُنْظَرَ إنْ جُعِلَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْكَشْفِ عَلَيْهِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَكُونُ لِخَصْمِك، وَالْأُجْرَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَمَلُ وَنَفْعُهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْ يُثْبِتُ لَهُ الْمِلْكَ لِأَنَّكُمَا جَزَمْتُمَا بِالْمِلْكِيَّةِ فَمَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا جَازِمَةً.
وَكَذَلِكَ الْقَائِفُ لَوْ امْتَنَعَ إلَّا بِأَجْرٍ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْتِجَارَةٍ، وَيَلْزَمُ الْأُجْرَةَ فِي الْأَخِيرِ لِمَنْ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ الْحَقُّ كَمَا يَحْلِفُ فِي اللِّعَانِ، وَغَيْرِهِ، وَأَحَدُهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِهِ] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الشَّهَادَةُ قِسْمَانِ]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِهِ)
وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ اشْتِرَاطِ أَلْفَاظٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا لَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ لَا فِي الْعُقُودِ، وَلَا غَيْرِهَا، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ لَمَّا وَضَعَ فِي الشَّهَادَةِ الْمُضَارِعَ لِلْإِخْبَارِ الْخَاصِّ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ فَصْلُ الْقَضَاءِ وَفِي الْعُقُودِ الْمَاضِي لِإِنْشَائِهَا وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْوَصْفَ أَعْنِي اسْمَيْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لِإِنْشَائِهَا صَحَّ مِنْ الْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْمُضَارِعِ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرِ صَرِيحٍ فِيهَا عُرْفًا، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الصَّرِيحِ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى غَيْرِ الصَّرِيحِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُرَادِ مِنْهُ فَلَوْ اتَّفَقَ أَنَّ الْعَوَائِدَ تَغَيَّرَتْ، وَصَارَ الْمَاضِي مَوْضُوعًا فِي الشَّهَادَةِ لِلْإِخْبَارِ الْخَاصِّ الَّذِي يَقْصَدُ بِهِ فَصْلَ الْقَضَاءِ، وَالْمُضَارِعُ مَوْضُوعًا فِي الْعُقُودِ لِإِنْشَائِهَا جَازَ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا صَارَ مَوْضُوعًا فِي الْبَابَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْعُرْفِ الْأَوَّلِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نَاشِئٌ عَنْ الْعَوَائِدِ، وَتَابِعٌ لَهَا بِحَيْثُ يَنْقَلِبُ، وَيَنْفَسِخُ بِتَغَيُّرِهَا وَانْتِقَالِهَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ خَفَاءٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ أَنْ تُؤَدَّى بِهِ الشَّهَادَةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ بِهِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا صَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ هُنَا، وَسَلَّمَهُ قُلْت لَكِنْ مِنْ حَيْثُ جَرَيَانُهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَ عَلَى الْأَصْلِ أَنْ يُبَدَّلَ هَذَا الْفَرْقُ بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْ النَّفْيِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ وَإِنْ اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ إطْلَاقُ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ إلَّا أَنَّ فِي قَبُولِهَا، وَعَدَمِهِ تَفْصِيلًا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ، وَيَظْهَرُ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَهُوَ أَنَّ النَّفْيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) نَفْيٌ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَسٌ، وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعَ الْقَطْعِ مَطْلَبٌ آخَرُ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) نَفْيٌ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالظَّنِّ الْغَالِبِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَحْصِ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا التَّفْلِيسُ، وَحَصْرُ
الْوَرَثَةِ فَإِنَّ الْحَاصِلَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الْغَالِبُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا حُصُولُ الْمَالِ لِلْمُفْلِسِ، وَهُوَ يَكْتُمُهُ، وَحُصُولُ، وَارِثٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِصَحِيحٍ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ.
(وَمِنْهَا) قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ آخِرُهُ وَاوٌ قَبْلَهَا ضَمَّةٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ قُلْت، وَمُرَادُهُمْ اسْمٌ عَرَبِيٌّ أَصَالَةً لَيْسَ مَنْقُولًا مِنْ فِعْلٍ مُعْتَلٍ كَيَدْعُو، وَلَا مِنْ اسْمٍ عَجَمِيٍّ