لَا يَثْبُتَانِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ فِيهِ الْمَالُ، وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّ حِلَّ عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ وَالنُّكُولِ أَيْضًا مَقْصُودُ الطَّلَاقِ غَيْرُ الْمَالِ، وَمَقْصُودُ الْإِقَالَةِ الْمَالُ، وَعَنْ السَّابِعِ أَنَّ الرَّضَاعَ يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّامِنِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مَالُهُ إلَى غَيْرِ مِلْكٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَبُولِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الرَّضَاعِ وَلَنَا أَنَّهُ مَعْنًى لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا فَتَجُوزُ مُنْفَرِدَاتٍ كَالْوِلَادِ وَالِاسْتِهْلَالِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) خَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قَبُولِ الْمَرْأَتَيْنِ فِيمَا يَنْفَرِدَانِ فِيهِ.
وَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قُبِلَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ، وَقَبِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاحِدَةً مُطْلَقًا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَعِنْدَنَا لَا بُدَّ مِنْ اثْنَتَيْنِ مُطْلَقًا، وَيَكْفِيَانِ لَنَا وُجُوهٌ:
(الْأَوَّلُ) أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ عَلَى الِانْفِرَادِ كَفَى مِنْهُ اثْنَانِ، وَلَا يَكْفِي مِنْهُ وَاحِدٌ كَالرَّجُلِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ.
(الثَّانِي) أَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ أَقْوَى، وَأَكْثَرَ، وَلَمْ يَكْفِ وَاحِدٌ فَالنِّسَاءُ أَوْلَى احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ:
(الْأَوَّلُ) مَا «رَوَى عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجَتْ أُمُّ يَحْيَى بِنْتُ أَبِي إيهَابٍ فَأَتَتْ أُمُّ سَوْرَةَ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي ثُمَّ أَتَيْته فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَاذِبَةٌ قَالَ كَيْفَ، وَقَدْ عَلِمْت، وَزَعَمْت ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
(الثَّانِي) عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ.
(الثَّالِثُ) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ» .
(الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى الرِّوَايَةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَوْ كَفَتْ لَأَمَرَهُ بِالتَّفْرِيقِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ كَمَا شَهِدَ عَدْلَانِ لِأَنَّ التَّنْفِيذَ عِنْدَ كَمَالِ الْحُجَّةِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ لَا سِيَّمَا فِي اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَةَ كَافِيَةٌ فِي الْحُكْمِ بَلْ مَعْنَاهُ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَحْرِيمُ شَيْءٍ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ كَانَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ يُفْضِي بِهِ إلَى الْحُكْمِ أَمْ لَا فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ أَوْ الطَّعَامُ نَجَسٌ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَإِخْبَارُ الْوَاحِدَةِ يُفِيدُ الظَّنَّ فَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِطَرِيقِ الْفُتْيَا لَا بِطَرِيقِ الْحُكْمِ، وَالْإِلْزَامِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَدِلَّتِنَا الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَى الْفُتْيَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَعَنْ الثَّالِثِ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَعَنْ الرَّابِعِ الْفَرْقُ أَنَّ الرِّوَايَةَ تُثْبِتُ حُكْمًا عَامًّا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ إجَارَةٍ فَهُوَ فَتْوَى لَيْسَ حُكْمًا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاهَدَهُ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْكُولٌ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ، وَقَدْ وَضَعْت فِي هَذَا الْمَقْصِدِ كِتَابًا سَمَّيْته الْإِحْكَامَ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ، وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ، وَفِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَذَكَرْت فِيهِ نَحْوَ ثَلَاثِينَ نَوْعًا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْحُكَّامِ لَيْسَ فِيهَا حُكْمٌ، وَلْنَقْتَصِرْ هُنَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فِي هَذَا الْفَرْقِ اهـ.
قُلْت، وَقَوْلُ ابْنِ مُحْرِزٍ أَمَّا لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا النِّكَاحُ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزُ هَذَا النِّكَاحَ إلَى قَوْلِهِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خِلَافًا هُوَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ، وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حُكْمٌ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ إخْبَارٌ عَنْ رَأْيِهِ وَمُعْتَقَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ فَسْخُهُ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ بَقِيَ سَاكِتًا عَنْهُ، وَالسُّكُوتُ تَقْرِيرٌ لَهُ، وَهُوَ حُكْمٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ اهـ.
الْمُرَادُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْلِ أَنَّ التَّقْرِيرَاتِ مِنْ الْحُكَّامِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا فَتَبْقَى الصُّورَةُ قَابِلَةً لِحُكْمِ جَمِيعِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمَنْقُولَةِ فِيهَا أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي اهـ.
فَتَحَصَّلَ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَرْقِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الشَّاطِّ أُمُورٌ:
(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِأَنَّ الْفَتْوَى أَعَمُّ مَوْقِعًا وَأَخَصُّ لُزُومًا، وَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ.
(الْأَمْرُ الثَّانِي) الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَالنِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ وَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَمَا لَا يَدْخُلُهُ كَالْعِبَادَاتِ بِأَنَّ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَصَالِحِ الْآخِرَةِ لَا يَدْخُلُهُ بِخِلَافِ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَصَالِح الدُّنْيَا فَيَدْخُلُهُ.
(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ الْحُكَّامِ وَبَيْنَ مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَتُهُمْ لَكِنْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَتُهُمْ نَحْوُ قَوْلِهِ حَكَمْت بِثُبُوتِ الْعَقْدِ وَصِحَّتِهِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ وَقْفًا كَانَ الْعَقْدُ أَوْ بَيْعًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَاَلَّتِي لَمْ تَجْرِ بِهَا نَحْوُ قَوْلِهِ أَسْفَلَ الرَّسْمِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ وَرَدَ عَلَيَّ هَذَا الْكِتَابَ فَقَبِلْتُهُ قَبُولَ مِثْلِهِ، وَأَلْزَمْت الْعَمَلَ بِمُوجِبِهِ أَوْ بِمَضْمُونِهِ فَلَيْسَ بِحُكْمِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي مُوجِبِهِ وَمَضْمُونِهِ عَلَى الْكِتَابِ، وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْشَاءٍ لَيْسَ بِزُورٍ مَثَلًا فَيَكُونُ مُرَادُهُ تَصْحِيحَ الْكِتَابِ، وَإِثْبَاتَ الْحُجَّةِ فَلِمَنْ بَعْدَهُ النَّظَرُ فِيهِ فَإِنْ قَالَ حَكَمْتُ بِمُوجِبِ الْإِقْرَارِ أَوْ الْوَقْفِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ فَهُوَ حُكْمٌ بِصِحَّةِ ذَلِكَ اهـ.
وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ مَا كَانَ