الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا تَرَكَ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَ حُجَّةً فِي الْبَاقِي.
(الثَّانِي) مَا رُوِيَ «أَنَّ الْأَنْصَارَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ إنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ، وَطَرَحَتْهُ فِي نَقِيرٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَتَحْلِفُ الْيَهُودُ قَالُوا كَيْفَ يَحْلِفُونَ، وَهُمْ كُفَّارٌ» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْخَصْمِ خَرَّجَهُ صَاحِبُ الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ
(وَالثَّالِثُ) مَا رُوِيَ أَنَّ الْمِقْدَادَ اقْتَرَضَ مِنْ عُثْمَانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْقَضَاءِ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عُثْمَانُ أَقْرَضْتُك سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ فَقَالَ الْمِقْدَادُ يَحْلِفُ عُثْمَانُ فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ لَقَدْ أَنْصَفَك. فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ فَنَقَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ إلَى الْمُدَّعِي، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْمِقْدَادُ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا.
(الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى النُّكُولِ فِي بَابِ الْقَوَدِ وَالْمُلَاعَنَةِ لَا تُحَدُّ بِنُكُولِ الزَّوْجِ.
(الْخَامِسُ) لَوْ نَكَلَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الدَّعْوَى لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ وَالْجَوَابِ فَالْيَمِينُ وَحْدَهُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْحُكْمِ.
(السَّادِسُ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةُ الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي النَّفْيِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُدَّعِي مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ.
(السَّابِعُ) أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقَامَتُهَا فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ فَيَكُونُ لِلْآخَرِ فِعْلُهَا.
(الثَّامِنُ) أَنَّ النُّكُولَ إذَا كَانَ حُجَّةً تَامَّةً كَالشَّاهِدَيْنِ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الدِّمَاءِ أَوْ نَاقِصَةً كَالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ يَمِينٍ وَجَبَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ التَّكْرَارِ أَوْ كَالِاعْتِرَافِ يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ بِخِلَافِهِ فَالِاعْتِرَافُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَكْرَارٍ بِخِلَافِهِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ:
(الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] فَمَنَعَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا فَلَا تُرَدُّ الْيَمِينَ لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ مَالَ غَيْرِهِ
(الثَّانِي) الْمُلَاعِنُ إذَا نَكَلَ حُدَّ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ
(الثَّالِثُ) أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَلَّى ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَضَاءَ الْيَمَنِ فَجَاءَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَلَّانِي هَذَا الْبَلَدَ، وَإِنَّهُ لَا غَنَاءَ لِي عَنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: اُكْتُبْ لِي بِمَا يَبْدُو لَك قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ فِي جَارِيَتَيْنِ جَرَحَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فِي كَفِّهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ احْبِسْهَا إلَى بَعْدَ الْعَصْرِ، وَاقْرَأْ عَلَيْهَا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] قَالَ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَاسْتَحْلَفَهَا فَأَبَتْ فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ
(الرَّابِعُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَالثَّانِي) مَا لَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا بَلْ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ فَقَطْ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ وَالْأُضْحِيَّةُ قَالَ (أَمَّا الطَّهَارَةُ) فَلَا يَدْخُلُهَا شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَلَا بِالْمُوجِبِ اسْتِقْلَالًا لَكِنْ يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ كَتَعْلِيقِ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ عَلَى طَهَارَةِ مَاءٍ أَوْ نَجَاسَةٍ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فَحَكَمَ بِصِحَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ بِمُوجِبِ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُعَلَّقِ لِوُجُودِ صِفَتِهِ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ بِالطَّهَارَةِ.
وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَيَدْخُلُهَا الْحُكْمُ بِالتَّضَمُّنِ مِثْلُ مَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ بِوُضُوءٍ خَالٍ عَنْ النِّيَّةِ أَوْ مَعَ وُجُودِ مَسِّ الذَّكَرِ لِاعْتِقَادِهِ صِحَّةَ الصَّلَاةِ مَعَ ذَلِكَ فَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِعَدَالَةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَالْحَاكِمُ مُعْتَقِدٌ صِحَّةَ ذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ مُتَضَمِّنًا صِحَّةَ وُضُوءُهُ، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الصَّلَاةِ الْخَالِيَةِ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَعَنْ الطُّمَأْنِينَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَهِيَ عِبَادَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا، وَقَدْ يَدْخُلُهَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ فِي التَّعْلِيقِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَالثَّالِثُ) مَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا وَتَضَمُّنًا، وَهُوَ الِاعْتِكَافُ وَالْحَجُّ قَالَ أَمَّا الِاعْتِكَافُ فَيَدْخُلُهُ اسْتِقْلَالًا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّهُ يَقْضِي لِلْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ بِالِاعْتِكَافِ الْيَسِيرِ، وَمِنْهَا مَنْ اعْتَكَفَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ، وَكَذَا لَوْ اعْتَكَفَ الْمِدْيَانُ هُرُوبًا مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَرَى فِيهِ رَأْيَهُ، وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ الْمُعْتَكِفُ أَدَّبَهُ الْحَاكِمُ، وَيَدْخُلُهُ تَضَمُّنًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ أَيْ مِثْلُ مَا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِعَدَالَةِ مَنْ اعْتَكَفَ بِدُونِ صَوْمٍ، وَالْحَاكِمُ مُعْتَقِدٌ صِحَّةَ ذَلِكَ الِاعْتِكَافِ كَانَ حُكْمُهُ بِعَدَالَتِهِ مُتَضَمِّنًا صِحَّةَ اعْتِكَافِهِ.
وَأَمَّا الْحَجُّ فَيَدْخُلُهُ اسْتِقْلَالًا فِي نَحْوِ مَا لَوْ فَسَخَ حَنْبَلِيٌّ حَجَّهُ إلَى عُمْرَةٍ حَيْثُ يَسُوغُ عِنْدَهُ ذَلِكَ، وَلَهُ زَوْجَةٌ لَيْسَ مُعْتَقَدُهَا ذَلِكَ فَامْتَنَعَتْ مِنْ تَمْكِينِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَارْتَفَعَا إلَى حَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ فَحَكَمَ عَلَيْهَا بِصِحَّةِ مَا فَعَلَ زَوْجُهَا الْحَنْبَلِيُّ أَوْ بِمُوجِبِ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ، وَيَدْخُلُهُ تَضَمُّنًا فِيمَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهَا بِالتَّمْكِينِ لِتَضَمُّنِهِ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ مَا فَعَلَهُ الزَّوْجُ، وَهُوَ نَفْسُ الْمُوجِبِ اهـ.
قُلْت وَمُخَالَفَتُهُ فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ سَيَتَّضِحُ لَك وَجْهُهَا، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهَا، وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِتَلْخِيصِ بَعْضِ كَلَامِهِ فِي الْعِبَادَاتِ، وَغَيْرِهَا مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَبَعْضِهِ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلَعَلَّ مِمَّا لَخَصَّهُ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ مُخَالَفَتُهُ لِلْأَصْلِ فِي الْعِبَادَاتِ فَافْهَمْ.
وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ فَنَظَرَ فِي كَلَامِهِ فِي مَوَاضِعَ: (الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ إنَّ مَوَاقِعَ الْإِجْمَاعِ لَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ بَلْ الْإِخْبَارُ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَصْلًا إذْ لَا مَعْنَى لِلْحُكْمِ إلَّا التَّنْفِيذُ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ