الْمَظْلُومِينَ مِنْ الظَّالِمِينَ إلَّا بِذَلِكَ، وَمِنْ أَبْعَدِ مِنْ الْمَسَافَةِ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ أَوْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَاكِمِ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ، وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَمَتَى عَلِمَ خَصْمُهُ إعْسَارُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ، وَدَعْوَاهُ إلَى الْحَاكِمِ، وَإِنْ دَعَاهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِجَوْرٍ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ، وَتَحْرُمُ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ وَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَوْقُوفًا عَلَى الْحَاكِمِ كَأَجْلِ الْعِنِّينِ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى الْحَاكِمِ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَمْلِيكِ حِصَّتِهِ لِغَرِيمِهِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْفُسُوخُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْحَاكِمِ، وَإِنْ دَعَاهُ إلَى حَقٍّ مُخْتَلَفٍ فِي ثُبُوتِهِ، وَخَصْمُهُ يَعْتَقِدُ ثُبُوتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا دَعْوَى حَقٍّ أَوْ يَعْتَقِدُ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لَا تَجِبُ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ، وَإِنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَجَبَ لِأَنَّ الْمَحِلَّ قَابِلٌ لِلْحُكْمِ وَالتَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ، وَمَتَى طُولِبَ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَدْفَعُهُ إلَّا بِالْحُكْمِ لِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ وَوُقُوفُ النَّاسِ عِنْدَ الْحَاكِمِ صَعْبٌ، وَأَمَّا النَّفَقَاتُ فَيَجِبُ الْحُضُورُ فِيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتَقْدِيرِهَا إنْ كَانَتْ لِلْأَقَارِبِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلرَّقِيقِ يُخَيَّرُ بَيْنَ إبَانَةِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الرَّقِيقِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْرَعُ)
الْمَشْرُوعُ مِنْ الْحَبْسِ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ يُحْبَسُ الْجَانِي لِغَيْبَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ الثَّانِي حَبْسُ الْآبِقِ سَنَةً حِفْظًا لِلْمَالِيَّةِ رَجَاءَ أَنْ يُعْرَفَ رَبُّهُ الثَّالِثُ يُحْبَسُ الْمُمْتَنِعُ عَنْ دَفْعِ الْحَقِّ إلْجَاءً إلَيْهِ الرَّابِعُ يُحْبَسُ مَنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْعُسْرِ، وَالْيُسْرِ اخْتِبَارًا لِحَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُهُ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ عُسْرًا أَوْ يُسْرًا الْخَامِسُ الْحَبْسُ لِلْجَانِي تَعْزِيرًا وَرَدْعًا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى السَّادِسُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْرَعُ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ مِنْ انْحِصَارِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَبْسِ فِي ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ كَمَا قَالَ لَيْسَ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الرَّاجِحَةِ، وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ.
(وَالثَّانِي) الْمُوَافَقَةُ لِدَلِيلِ الْحُكْمِ
(وَالثَّالِثُ) الْمُوَافَقَةُ لِسَبَبِهِ وَحُجَّتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَالْأَدِلَّةِ وَالْحِجَاجِ، وَأَنَّ الْقُضَاةَ يَعْتَمِدُونَ الْحِجَاجَ، وَالْمُجْتَهِدِينَ يَعْتَمِدُونَ الْأَدِلَّةَ، وَأَنَّ الْمُكَلَّفِينَ يَعْتَمِدُونَ الْأَسْبَابَ
(وَالرَّابِعُ) انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ فِيهِ
(وَالْخَامِسُ) وُقُوعُهُ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَأَمَّا مَا لَا يَنْفُذُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُنْقَضُ فَهُوَ مَا انْتَفَى فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِذَا انْقَسَمَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا لَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ بِالْأَصَالَةِ، وَهُوَ نَوْعَانِ (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) مَا دَلَّتْ النُّصُوصُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ يَكُونُ مَعْزُولًا عَنْهَا إذَا أَجْرَاهُ فِي وِلَايَتِهِ، وَذَلِكَ كُلُّ مَا لَيْسَ هُوَ بِأَحْسَنَ، وَلَيْسَ فِيهِ بَذْلُ الْجَهْدِ مِمَّا خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَصَارَ وَاحِدًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ السَّاقِطَةِ الَّتِي هِيَ الْمَفْسَدَةُ الرَّاجِحَةُ، وَالْمَصْلَحَةُ الْمَرْجُوحَةُ وَالْمُسَاوِيَةُ، وَمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، وَلَا مَفْسَدَةَ فَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ صَاعًا بِصَاعٍ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُ الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَزْلُ الْحَاكِمِ إذَا ارْتَابَ فِيهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الرِّيبَةِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيُعْزَلُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ وُجُودِ الرَّاجِحِ تَحْصِيلًا لِمَزِيدِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَاخْتُلِفَ فِي عَزْلِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِالْآخَرِ فَقِيلَ يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْمَعْزُولَ بِالْعَزْلِ وَالتُّهَمِ مِنْ النَّاسِ، وَلِأَنَّ تَرْكَ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ الصَّلَاحِ لِلْمُتَوَلَّى.
وَأَمَّا الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَيْ بَيْعُ صَاعٍ بِصَاعٍ، وَمَا يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ حَصَلَتْ مَصْلَحَةٌ أَمْ لَا، وَضَابِطُ مَا يُحْجَرُ بِهِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، وَلَمْ يَسْتَجْلِبْ بِهِ الْمُتَصَرِّفُ حَمْدًا شَرْعِيًّا، وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْجَرُ بِهِ فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مَا فَوَّتَ مَصْلَحَةً لَمْ تَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ كَمَا هُنَا، وَبِالثَّانِي مَا اسْتَجْلَبَ بِهِ حَمْدَ الشَّرَابِ وَالْمَسَاخِرِ، وَبِالثَّالِثِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ كَمَنْ رَمَى دِرْهَمًا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يَدُلُّ عَلَى سَفَهِهِ وَعَدَمِ اكْتِرَاثه بِالْمَالِ (النَّوْعُ الثَّانِي) الْقَضَاءُ مِنْ الْقَاضِي بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عَقْدِ الْوِلَايَةِ، وَعَقْدُ الْوِلَايَةِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْصِبًا مُعَيَّنًا فَكَانَ مَعْزُولًا عَمَّا عَدَاهُ لَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُهُ، وَعَلَى هَذَا أَصْحَابُنَا فَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ شَافَهَ قَاضٍ قَاضِيًا لَمْ يَكْفِ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ إسْمَاعُهُ وَسَمَاعُهُ إلَّا إذَا كَانَا قَاضِيَيْنِ بِبَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَجَاذَبَا فِي ذَلِكَ فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي