الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْخَارِجُ أَوْلَى، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَصْلًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إنْ ادَّعَى مُطْلَقَ مِلْكٍ فَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ فَأَعَادَهُ كِلَاهُمَا فَكَذَلِكَ أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ، وَادَّعَيَاهُ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ فَقَالَتْ كُلُّ بَيِّنَةٍ وَلَدٌ عَلَى مِلْكِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ لَنَا عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَحَاكَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فِي دَابَّةٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْيَدِ» ؛ وَلِأَنَّ الْيَدَ مُرَجَّحَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا، وَلَنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا تَقَدَّمَ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُضَافِ إلَى سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ:
(الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهُوَ يَقْتَضِي صِنْفَيْنِ مُدَّعِيًا، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّتُهُ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ حُجَّتُهُ فَبَيِّنَتُهُ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا تُسْمَعُ كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ فِي الْجِهَةِ الْأُخْرَى لَا تُفِيدُ شَيْئًا.
(الثَّانِي) وَلِأَنَّهُمَا لَمَّا تَعَارَضَتَا فِي سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ شَهِدَتْ هَذِهِ بِالْوِلَادَةِ، وَالْأُخْرَى بِالْوِلَادَةِ تَعَيَّنَ كَذِبُهُمَا فَسَقَطَتَا فَبَقِيَتْ الْيَدُ فَلَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا مَا يَتَكَرَّرُ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْكَذِبُ فَلَمْ تَفْدِ بَيِّنَتُهُ إلَّا مَا أَفَادَتْهُ يَدُهُ فَسَقَطَتْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ
(الثَّالِثُ) وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إذَا لَمْ يُقِمْ الطَّالِبُ بَيِّنَةً لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهِيَ أَحْسَنُ حَالَتَيْهِ فَكَيْفَ إذَا أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً لَا تُسْمَعُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَضْعَفُ
(الرَّابِعُ) إنَّا إنَّمَا أَعْمَلْنَا بَيِّنَتَهُ فِي صُورَةِ النِّتَاجِ لِأَنَّ دَعْوَاهُ أَفَادَتْ الْوِلَادَةَ، وَلَمْ تُفِدْهَا يَدُهُ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ فَأَفَادَتْ الْبَيِّنَةُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْ الْيَدُ فَقُبِلَتْ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ جَعَلَ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ بِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَلَيْهِ سَلَّمْنَا عَدَمَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ لَكِنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ فُسِّرَ بِالطَّالِبِ فَصَاحِبُ الْيَدِ طَالِبٌ لِنَفْسِهِ مَا طَلَبَهُ الْآخَرُ لِنَفْسِهِ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِ، وَإِنْ فُسِّرَ بِأَضْعَفَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا فَالْخَارِجُ لَمَّا أَقَامَ بَيِّنَةً صَارَ الدَّاخِلُ أَضْعَفَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا تُشْرَعُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّهِ سَلَّمْنَا دَلَالَتَهُ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] وَالْعَدْلُ التَّسْوِيَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَقُومَ الْمُخَصَّصُ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْآخَرِ «، وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَقْضِ لِأَحَدِهِمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ» ، وَهُوَ يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِمَاعِ مِنْهُمَا وَأَنْ مَنْ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ حُكِمَ بِهَا، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لَا نَسْمَعُ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا تَعَارَضَتَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQجَعْلِ مَا حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ مِنْ نَمَاءٍ وَنُقْصَانٍ كَأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ فَتَجِبُ لِلْغَاصِبِ الْغَلَّةُ.
وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي النُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ سَبَبِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ فَقَطْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَحْنُونٍ أَوْ جَعْلِ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَوْ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ أَخَذَهُ بِأَرْفَعِ الْقِيَمِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رَدَّ الْغَلَّةِ، وَضَمَانَ النُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَوْ قِيَاسُ قَوْلِهِ أَوْ أَنَّ جِنَايَةَ الْغَاصِبِ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي غَصَبَهُ هُوَ غَصْبٌ ثَانٍ مُتَكَرِّرٌ مِنْهُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ قِيَاسُ الشَّبَهِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَكُونُ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، وَالْمَغْصُوبُ فِي الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ نَقْصُ الشَّيْءِ الَّذِي غُصِبَ مِنْهُ بِجِنَايَةِ غَيْرِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَ الْغَاصِبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَيَتْبَعُ الْغَاصِبُ الْجَانِيَ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْغَاصِبَ، وَيَتْبَعَ الْجَانِيَ بِحُكْمِ الْجِنَايَاتِ فَهَذَا حُكْمُ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْعَيْنِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ.
وَأَمَّا الْجِنَايَاتُ عَلَى الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْصِبَهَا غَاصِبٌ فَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَى قِسْمَيْنِ جِنَايَةٌ تُبْطِلُ يَسِيرًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الشَّيْءِ بَاقٍ فَهَذَا يَجِبُ فِيهِ مَا نَقَصَ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ صَحِيحًا، وَيُقَوَّمَ بِالْجِنَايَةِ فَيُعْطِي مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَجِنَايَةٌ تُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ فَصَاحِبُهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ أَسْلَمَهُ لِلْجَانِي، وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْجِنَايَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَةُ الْجِنَايَةِ، وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ الِالْتِفَاتُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَتَشْبِيهُ إتْلَافِ أَكْثَرِ الْمَنْفَعَةِ بِإِتْلَافِ الْعَيْنِ اهـ. بِتَخْلِيصٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقُ بَعْضِهِ إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ) وَهُوَ أَنَّ مَا اشْتَرَيْته أَوْ صَالَحْت عَلَيْهِ إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ أَوْ، وَجَدْت بِهِ عَيْبًا فَلَهُ سِتَّةُ أَحْوَالٍ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا يَقْتَضِي فِيهِ ذَلِكَ تَخْيِيرُك فِي التَّمَاسُكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ أَوْ الْمَعِيبِ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ، وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ حَالَاتٍ: (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الْمُسْتَحَقُّ أَوْ الْمَعِيبُ شَائِعًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، وَلَيْسَ مِنْ رِبَاعِ الْغَلَّةِ فَيُخَيَّرُ فِيمَا