بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، وَعَنْ أَصْبَغَ الْجَوَازُ فِي الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَخِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمِدْيَانِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ، وَصَحَّ الْحُكْمُ، وَقَدْ يَحْكُمُ لِلْخَلِيفَةِ، وَهُوَ فَوْقَهُ، وَتُهْمَتُهُ أَقْوَى، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ الْقَضَاءُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَخَصْمِهِ، وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِخِلَافِ رَجُلَيْنِ رَضِيَا بِحُكْمِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَقْضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَيُشْهِدُ عَلَى رِضَاهُ، وَيَجْتَهِدُ فِي الْحَقِّ فَإِنْ قَضَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ يَمْتَنِعُ قَضَاؤُهُ فَلْيَذْكُرْ الْقِصَّةَ كُلَّهَا، وَرِضَى خَصْمِهِ، وَشَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ بِرِضَى الْخَصْمِ. وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَرَأَى أَفْضَلَ مِنْهُ فَالْأَحْسَنُ فَسْخُهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ فَلَا يَفْسَخُهُ غَيْرُهُ إلَّا فِي الْخَطَأِ الْبَيِّنِ فَإِنْ اجْتَمَعَ فِي الْقَضِيَّةِ حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالسَّرِقَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَقْطَعُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَرْفَعُهُ لِمَنْ فَوْقَهُ، وَأَمَّا مَا لَهُ فَلَا يَحْكُمُ لَهُ
(الْقِسْمُ الْخَامِسُ) مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَنَّهُ تَنَاوَلَتْهُ الْوِلَايَةُ، وَصَادَفَ السَّبَبَ وَالدَّلِيلَ وَالْحُجَّةَ، وَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْحُجَّةِ هَلْ هِيَ حُجَّةٌ أَمْ لَا، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْقَضَاءُ بِعِلْمِ الْحَاكِمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ يَمْتَنِعُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْكُمُ فِي الْحُدُودِ بِمَا شَاهَدَهُ مِنْ أَسْبَابِهَا إلَّا فِي الْقَذْفِ، وَلَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا عَلِمَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَوَازُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ لَنَا وُجُوهٌ:
(الْأَوَّلُ) قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» الْحَدِيثَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِحَسَبِ الْمَسْمُوعِ لَا بِحَسَبِ الْمَعْلُومِ.
(الثَّانِي) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَك إلَّا ذَلِكَ» فَحَصَرَ الْحُجَّةَ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينَ دُونَ عِلْمِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ
(الثَّالِثُ) رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا جَهْمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَاحَاهُ رَجُلٌ فِي فَرِيضَةٍ فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا شِجَاجٌ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ الْأَرْشَ ثُمَّ قَالَ أَفَأَخْطُبُ النَّاسَ فَأُعْلِمَهُمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ فَأَعْلَمَ فَقَالُوا مَا رَضِينَا فَأَرَادَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا وَنَزَلَ فَجَلَسُوا إلَيْهِ فَأَرْضَاهُمْ فَقَالَ أَأَخْطُبُ النَّاسَ فَأُعْلِمُهُمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ فَأَعْلَمَ النَّاسَ فَقَالُوا رَضِينَا» ، وَهُوَ نَصٌّ فِي عَدَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدْخُلُهُ الْكَذِبُ لَزِمَ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الْأَوَّلِ، وَتَعَيَّنَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ الْمُتَعَارِضَةِ، اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَقْرُبُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مِنْهُمَا، وَمَا يُؤَوَّلُ عَلَى قَوْلَيْنِ (الْقَوْلُ الْأَوَّلُ) تَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِظَاهِرِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَتَأْوِيلِ ظَاهِرِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَالْفَرْقُ بَيْنَ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ وَبَيْنَ وَعْدِ غَيْرِهِ تَعَالَى، قَالَ الْكَذِبُ يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ، وَالْوَعْدُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَنَا الصِّدْقُ الْقَوْلُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ، وَالْكَذِبُ الْقَوْلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ ظَاهِرٌ فِي وُقُوعِ وَصْفِ الْمُطَابَقَةِ، وَعَدَمِهَا بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْحَالِ وَالْمَاضِي.
وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَبُولُ الْمُطَابَقَةِ، وَعَدَمُهَا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا إذَا حَدَّدْنَا بِوَصْفٍ بِأَنْ قُلْنَا فِي الْإِنْسَانِ مَثَلًا الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ إنَّمَا نُرِيدُ الْحَيَاةَ وَالنُّطْقَ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ، وَإِلَّا كَانَ الْجَمَادُ وَالنَّبَاتُ كُلُّهُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْحَيَاةِ وَالنُّطْقِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ حَدِيثَ الْمُوَطَّإِ يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا يُسَمَّى كَذِبًا لِجَعْلِهِ قَسِيمَ الْكَذِبِ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا حَرَجَ فِيهِ إذْ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْوَعْدُ الَّذِي يَفِي بِهِ لَمَا احْتَاجَ لِلسُّؤَالِ عَنْهُ، وَلَمَا ذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِالْكَذِبِ، وَلَكِنْ قَصْدُهُ إصْلَاحُ حَالِ امْرَأَتِهِ بِمَا لَا يَفْعَلُهُ فَتَخَيَّلَ الْحَرَجَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مُبَاحٌ عَكْسُ ظَاهِرِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَوَّلًا بِاخْتِصَاصِ الْوَعْدِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَالْكَذِبِ بِالْمَاضِي وَالْحَالِ.
وَثَانِيًا بِعَدَمِ التَّأْثِيمِ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّأْثِيمِ فِي الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثَيْ الْمُوَطَّإِ وَأَبِي دَاوُد السَّابِقَيْنِ، وَالْجَوَابُ عَنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مَحْمُولٌ إمَّا عَلَى أَنَّ الْمُوعِدَ أَدْخَلَ الْمَوْعُودَ فِي سَبَبٍ يُلْزِمُهُ بِوَعْدِهِ كَمَا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ أَمَّا مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَا إذَا سَأَلَك أَنْ تَهَبَ لَهُ دِينَارًا فَقُلْت نَعَمْ ثُمَّ بَدَا لَك لَا يَلْزَمُك، وَلَوْ كَانَ افْتِرَاقُ الْغُرَمَاءِ عَنْ وَعْدٍ وَإِشْهَادٍ لِأَجْلِهِ لَزِمَك لِإِبْطَالِهِ مَغْرَمًا بِالتَّأْخِيرِ.
وَأَمَّا سَحْنُونٌ فَقَالَ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْوَعْدِ قَوْلُهُ اهْدِمْ دَارَك، وَأَنَا أُسَلِّفُك مَا يُبْنَى بِهِ أَوْ اُخْرُجْ إلَى الْحَجِّ، وَأَنَا أُسَلِّفُك أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةً أَوْ تَزَوَّجْ امْرَأَةً، وَأَنَا أُسَلِّفُك لِأَنَّك أَدْخَلْته بِوَعْدِك فِي ذَلِكَ أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَعْدِ فَلَا يَلْزَمُك الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ اهـ.
وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ وَعَدَهُ مَقْرُونًا بِذِكْرِ السَّبَبِ كَمَا لِأَصْبَغَ حَيْثُ قَالَ يُقْضَى عَلَيْك بِهِ تَزَوَّجَ الْمَوْعُودُ أَمْ لَا، وَكَذَا أَسْلِفْنِي لِأَشْتَرِيَ سِلْعَةَ كَذَا لَزِمَك تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا، وَاَلَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَعِدَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ فَيَقُولَ لَك أَسْلِفْنِي كَذَا فَتَقُولَ نَعَمْ بِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ