الْكَلَامَ بِآخِرِهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إذَا اتَّصَلَ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَقِلُّ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، وَكَذَلِكَ الصِّفَةُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْغَايَةُ وَالشُّرُوطُ وَنَحْوُهَا
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُنَفَّذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنَفَّذُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ)
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا لَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْوِلَايَةُ بِالْأَصَالَةِ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا بِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ أُمَّتِي شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ، وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَيَكُونُ الْأَئِمَّةُ وَالْوُلَاةُ مَعْزُولِينَ عَمَّا لَيْسَ فِيهِ بَذْلُ الْجَهْدِ، وَالْمَرْجُوحُ أَبَدًا لَيْسَ بِالْأَحْسَنِ بَلْ الْأَحْسَنُ ضِدُّهُ، وَلَيْسَ الْأَخْذُ بِهِ بَذْلًا لِلِاجْتِهَادِ بَلْ الْأَخْذُ بِضِدِّهِ فَقَدْ حَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَوْصِيَاءِ التَّصَرُّفَ فِيمَا هُوَ لَيْسَ بِأَحْسَنَ مَعَ قِلَّةِ الْفَائِتِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي وِلَايَتِهِمْ لِخِسَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ فَأَوْلَى أَنْ يَحْجُرَ عَلَى الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ فِي ذَلِكَ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ النُّصُوصِ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ مَعْزُولِينَ عَنْ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَالْمُسَاوِيَةِ، وَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَلَا مَصْلَحَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ مَا هُوَ أَحْسَنُ، وَتَكُونُ الْوِلَايَةُ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ جَلْبَ الْمَصْلَحَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ، وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ فَأَرْبَعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ سَاقِطَةٌ، وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ صَاعًا بِصَاعٍ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُ الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَزْلُ الْحَاكِمِ إذَا ارْتَابَ فِيهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الرِّيبَةِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ.
وَيُعْزَلُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ وُجُودِ الرَّاجِحِ
تَحْصِيلًا
لِمَزِيدِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَاخْتُلِفَ فِي عَزْلِ أَحَدِ الْمُسَاوِيَيْنِ بِالْآخَرِ فَقِيلَ يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُ يُؤْذِي الْمَعْزُولَ بِالْعَزْلِ وَالتُّهَمِ مِنْ النَّاسِ، وَلِأَنَّ تَرْكَ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ الصَّلَاحِ لِلْمُتَوَلَّى.
وَأَمَّا الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ حَصَلَتْ مَصْلَحَةٌ أَمْ لَا فَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبِيعَ صَاعًا بِصَاعٍ، وَمَا يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ فَإِنْ قُلْت تَجْوِيزُ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَلْتَبِسَ مَنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِمَنْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَيَلْتَبِسُ الرَّشِيدُ بِالسَّفِيهِ لِأَنَّ السَّفِيهَ هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بِكِرَاءٍ فَإِنْ وَقَعَ، وَفَاتَ بِالْعَمَلِ فَلِلْعَامِلِ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ، وَفِي الْحَائِطِ الْآخَرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ وَاحِدٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً سَنَةً عَلَى النِّصْفِ وَسَنَةً عَلَى الثُّلُثِ، وَسَنَةً عَلَى الرُّبْعِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ مَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ
(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَوَائِطَ صَفْقَةً وَاحِدَةً حَائِطٌ عَلَى النِّصْفِ، وَآخَرُ عَلَى الثُّلُثِ مَثَلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُثْمِرَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَأَمَّا فِي صَفَقَاتٍ فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ، وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الْجُزْءِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ ثُمَّ أَلْحَقَ بِالتِّسْعَةِ عَاشِرَةً الْمُسَاقَاةُ فِيهَا صَحِيحَةٌ مُشَبِّهًا لَهَا فِي الرُّجُوعِ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ فَقَالَ كَاخْتِلَافِهِمَا، وَلَمْ يُشْبِهَا اهـ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ فِي الْجُزْءِ الْمُشْتَرَطِ لِلْعَامِلِ فَقَالَ دَخَلْنَا عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا وَقَالَ رَبُّ الْحَائِطِ بَلْ عَلَى الرُّبْعِ مَثَلًا، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا
فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مَعَ نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَيُرَدُّ الْعَامِلُ لِمُسَاقَاةِ مِثْلِهِ وَمِثْلُهُ إذَا نَكَلَا، وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ فَإِنْ أَشْبَهَا مَعًا فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ انْفَرَدَ رَبُّ الْحَائِطِ بِالشَّبَهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا قَبْلُ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَلَا يُنْظَرُ لِشَبَهٍ وَلَا عَدَمِهِ، وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لَا تَحَالُفَ فِيهِ بَلْ الْعَامِلُ يَرُدُّ الْمَالَ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ.
خَرَشِيٌّ بِتَلْخِيصٍ، وَزِيَادَةٍ مِنْ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَظَمْت الْمَسَائِلَ التِّسْعَ وَأَلْحَقْت الْعَاشِرَةَ بِهَا فَقُلْت:
وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ إنْ عَرَا ... فَسَادٌ سِوَى تِسْعٍ فَفِيهَا تَقَرَّرَا
مُسَاقَاةُ مِثْلٍ إنْ مَعَ الْبَيْعِ أَوْ ثَمَرٍ ... غَدَا مَطْعَمًا عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ قَرَّرَا
وَإِنْ يَكُ شَرْطًا صُنْعُ رَبٍّ بِحَائِطٍ ... كَذَا مِنْ غُلَامٍ فِي صَغِيرٍ تَحَرَّرَا
كَذَلِكَ إنْ مِنْ دَابَّةٍ فِي صَغِيرَةٍ ... غَدَا الشَّرْطُ أَوْ حِمْلًا لِمَنْزِلِهِ جَرَى
كَذَا إنْ غَدَا شَرْطًا كِفَايَةُ آخَرَ ... أَوْ الْخُلْفُ فِي جُزْءٍ بِعَامَيْنِ صَوَّرَا
كَذَا إنْ جَرَى فِي حَائِطَيْنِ بِصَفْقَةٍ ... وَالْحَقُّ بِذِي أَنْ يَحْلِفَا عِنْدَمَا انْبَرَا
بِلَا شُبْهَةِ خُلْفٍ بِجُزْءٍ لِعَامِلٍ ... أَوْ اجْتَنَبَا الْأَيْمَانَ فِي ذَا بِلَا مِرَا
قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَسِرُّ الْفَرْقِ أَيْ بَيْنَ مَا يُرَدُّ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَمَا يُرَدُّ لِمُسَاقَاةِ الْمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ أَيْ مِنْ الضَّابِطَيْنِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَمِنْ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي مَنْشَأِ الْخِلَافِ قَالَ وَالْقَوَاعِدُ وَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا