لِقِيَامِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْفَاسِقَ قَدْ يُوَالِي أَهْلَ شِيعَتِهِ فَيُؤْثِرُهُمْ بِوِلَايَتِهِ كَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحْصُلُ لَهَا الْمَفْسَدَةُ الْعَظِيمَةُ فَاشْتُرِطَتْ الْعَدَالَةُ، وَكَانَ اشْتِرَاطُهَا تَتِمَّةً لِأَجْلِ تَعَارُضِ هَاتَيْنِ الشَّائِبَتَيْنِ، وَهَذَا التَّعَارُضُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الشَّائِبَتَيْنِ هُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَهَلْ تَصِحُّ وِلَايَةُ الْفَاسِقِ أَمْ لَا، وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَانِ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ تَتِمَّةٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنَّهُ لَا يُوصِي عَلَى ذُرِّيَّتِهِ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِشَفَقَتِهِ فَوَازِعُهُ الطَّبِيعِيُّ يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ الْوَصِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُوَالِي أَهْلَ شِيعَتِهِ مِنْ الْفَسَقَةِ فَتَحْصُلُ الْمَفَاسِدُ مِنْ وِلَايَتِهِمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّزْوِيجِ فَكَانَ الِاشْتِرَاطُ تَتِمَّةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَتَعَارُضُ الشَّائِبَتَيْنِ هُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ.
وَأَمَّا مَا خَرَجَ عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ وَالتَّتِمَّةُ فَالْإِقْرَارُ يَصِحُّ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى خِلَافِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْضَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالطَّبْعُ يَمْنَعُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ بَلْ هُوَ مَعَ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لَهُ شَأْنُ الطِّبَاعِ جَحْدُهُ فَلَا يُعَارِضُ الطَّبْعَ هُنَا احْتِمَالُ مُوَالَاتِهِ لِأَهْلِ شِيعَةٍ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَطْبُوعٌ عَلَى تَقْدِيمِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ شِيعَتِهِ وَأَصْدِقَائِهِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْوَصِيَّةُ
أَنَّ الْوَالِيَ وَالْوَصِيَّ يَتَصَرَّفَانِ لِغَيْرِهِمَا فَأَمْكَنَ مُرَاعَاةُ الْأَصْدِقَاءِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِ الْغِيَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا هَا هُنَا فَهُوَ يَنْصَرِفُ فِي الْإِقْرَارِ لِنَفْسِهِ فَلَا يُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَهُوَ سَبَبُ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فِي الْإِقْرَارِ دُونَهُمَا، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ الدَّعَاوَى تَصِحُّ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَفْقِ الطَّبْعِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ إنَّمَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ فَدَعْوَاهُ عَلَى وَفْقِ طَبْعِهِ عَكْسُ الْأَقَارِيرِ غَيْرَ أَنَّ هَا هُنَا فِي الدَّعَاوَى مَا يُغْنِي عَنْ الْعَدَالَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَهَا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَهُوَ إلْزَامُهُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ أَوْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدٍ أَوْ مَعَ نُكُولٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَالنُّكُولِ لِأَنَّهُمَا يُبْعِدَانِ التُّهْمَةَ مِنْ الدَّعْوَى، وَبِقُرْبَانِهَا مِنْ الصِّحَّةِ فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الْعَدَالَةِ لِرُجْحَانِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ حِينَئِذٍ كَمَا تُرَجَّحُ بِالْعَدَالَةِ.
وَقِسْ عَلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فَيَحْصُلُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَبَيْنَ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيُعْطِيهِ الْمَالَ، وَيَقُودُ كَمَا يَقُودُ الْبَعِيرَ اهـ.
كَلَامُ التَّاوَدِيِّ بِبَعْضِ تَصَرُّفٍ، وَيَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأَصْلِ أُمُورٌ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي حَكَاهُ فِي الْقَبَسِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْهُ، وَالثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَأَنَّ الثَّالِثَ وَالْخَامِسَ هُمَا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ التَّفْصِيلُ، وَإِمَّا بِالْحَدِّ أَوْ بِالْعَدِّ، وَأَنَّ الرُّبْعَ لَمْ يُرْوَ عَنْ مَالِكٍ بَلْ حَكَاهُ فِي الْقَبَسِ عَنْ مُحَمَّدٍ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ التَّفْصِيلُ لَكِنْ بِخُصُوصِ الْعَدِّ لِأَنَّهُ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَسَلَّمَهُ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنْ اقْتَصَرَ ابْنُ عَاصِمٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ حَيْثُ قَالَ:
وَأَجْرُ مِثْلٍ أَوْ قِرَاضُ مِثْلٍ ... لِعَامِلٍ عِنْدَ فَسَادِ الْأَصْلِ
(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْعَاشِرَةَ الَّتِي أَلْحَقَهَا الْأَصْلُ بِالتِّسْعَةِ غَيْرُ الْعَاشِرَةِ الَّتِي أَلْحَقَهَا ابْنُ غَازِيٍّ بِهَا فَإِنَّ عَاشِرَةَ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِدِ، وَهِيَ مَا فِي قَوْلِ خَلِيلٍ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ، وَادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ، وَعَاشِرُ ابْنُ غَازِيٍّ مِنْ الْفَاسِدِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُلْحَقُ مَسْأَلَتَانِ، وَجُمْلَةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا لِلْعَامِلِ قِرَاضُ الْمِثْلِ إحْدَى عَشْرَةً، وَمَا عَدَاهَا يَجِبُ فِيهِ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
وَقَدْ نَظَمْت عَاشِرَةَ الْأَصْلِ بِقَوْلِي (:
وَالْحَقُّ بِهَذِي الِاخْتِلَافُ بِرِبْحِهِ ... وَمَا ادَّعَيَا شَبَهًا جَرَى بِزَمَانِ)
(وَفِي شَرْحِ) التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ نَصُّهُ مَا ذَكَرَ ابْنُ مُغِيثٍ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى بِقِرَاضِ الْمِثْلِ فِي أَرْبَعَةٍ فَقَطْ، وَهِيَ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ أَوْ بِالْجُزْءِ الْمُبْهَمِ أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِضَمَانٍ، وَيَجْمَعُهَا قَوْلُك ضَمِنَ الْعُرُوضَ إلَى أَجَلٍ مُبْهَمٍ، وَمَا عَدَا هَذِهِ لِأَرْبَعٍ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ كُلَّ مَا يَرْجِعُ لِقِرَاضِ الْمِثْلِ يَفْسَخُ مَا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعَمَلِ فَيَمْضِي، وَكَذَا الْمُسَاقَاةُ، وَكُلُّ مَا يَرْجِعُ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ بِفَسْخٍ أَبَدًا اهـ.
بِلَفْظِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
(الْفَرْقُ الْحَادِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْ الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ مَا يُرَدُّ مِنْهَا إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ) الْمُسَاقَاةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هِيَ عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةُ الْبَعْلِ اهـ.
وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمُخَابَرَةِ أَيْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا عِيَاضٌ، وَلَا تَنْعَقِدُ عِنْدَ