فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ نَظَرًا لَهُ قُلْنَا الْقِيَاسُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بِجَامِعِ السَّعْيِ فِي الْقِيَامِ عَنْ الْغَيْرِ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَمَنْ بَادَرَ مِنْهُمْ قَامَ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ (احْتَجُّوا) بِأَنَّ السَّلَامَةَ بِالطَّرْحِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِخِلَافِ الصَّائِلِ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَأَمْوَالِ الْقِنْيَةِ.

(الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِطَعَامِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّ الْمُضْطَرَّ يَضْمَنُ مَعَ احْتِمَالِ هَلَاكِهِ بِمَا أَكَلَ بَلْ يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فَقَطْ، وَقَدْ شَهِدْت بِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ السَّلَامَةِ فِيهِمَا مَعَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ

(وَعَنْ الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْفَرْقِ مَعَ أَنَّ الطُّرْطُوشِيَّ قَالَ: الْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ صَوْنُ الْأَمْوَالِ، وَالْكُلُّ يُثْقِلُ السَّفِينَةَ

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ)

اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبَيْنِ أَوْ يَبْنِيَ لَهُ دَارَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ النِّصْفُ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَوَقَعَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ تَكُونُ مُرَبَّعَةً مِنْ كُلِّ جِهَةٍ عَشَرَةً، وَيَكُونُ عُمْقُهَا عَشَرَةً فَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ أَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ صُنْدُوقًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةً فَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ أَنَّ لِهَذَيْنِ نِصْفَ الْأُجْرَةِ لِأَنَّهُمَا قَدْ عَمِلَا خَمْسَةً، وَهِيَ

ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ) قُلْت هَذَا الْفَرْقُ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَاحِشُ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ، وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ فَلَهُ النِّصْفُ لَا مَحَالَةَ، وَإِنَّمَا يَجْرِي الْوَهْمُ عَلَى الْأَغْبِيَاءِ فَيَظُنُّونَ أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ فَعَمِلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَمِلَ جَمِيعَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ مَتَى اُسْتُؤْجِرَ عَلَى ذَلِكَ فَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ أَنَّهُ عَمِلَ النِّصْفَ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ عَمِلَ الثُّمُنَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ كَيْفَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَرْقِ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ ظَنَّ أَنَّ التَّرْجَمَةَ صَحِيحَةٌ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ النِّصْفَ، وَلَكِنْ الْغَفْلَةَ لَازِمَةٌ لِمَنْ لَمْ يُعْصَمْ مِنْ الْبَشَرِ، وَلَكِنْ هَذِهِ الْغَفْلَةُ لَا يُعْذَرُ صَاحِبُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي حِكَايَةِ الْفُرُوقِ الْخَمْسَةِ صَحِيحٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً احْتِرَازًا مِنْ التَّافِهِ الْحَقِيرِ الَّذِي لَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ أَيْ بِالْمَالِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَاسْتِئْجَارِ نَارٍ لِيُوقِدَ مِنْهَا سِرَاجًا، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ مَنْ قَالَ ارْقَ هَذَا الْجَبَلَ وَلَك كَذَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ كَمَا فِي الْحَطَّابِ قَالَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي فُرُوعٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ هَلْ هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا كَالْمُصْحَفِ وَالْأَشْجَارِ لِلتَّجْفِيفِ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق قَالَ الْخَرَشِيُّ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُصْحَفِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فِي مَنْعِهِ إجَارَتَهُ اهـ.

قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ أَيْ لِأَنَّ إجَارَتَهُ كَأَنَّهَا ثَمَنُ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فَإِنَّهُ ثَمَنٌ لِلْوَرَقِ، وَالْخَطِّ فَابْنُ حَبِيبٍ يُوَافِقُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ، وَيُخَالِفُ فِي إجَارَتِهِ فَقَدْ بِيعَتْ الْمَصَاحِفُ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا اهـ.

وَفِي الْأَصْلِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اهـ أَيْ، وَأَجْزَأَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّا يَتَأَثَّرُ الشَّجَرُ بِهِ، وَيَنْقُصُ مَنْفَعَةُ كَثِيرَةٍ مِنْهُ فَهِيَ مَنْفَعَةٌ تَتَقَوَّمُ كَمَا فِي عبق، وَفِي الْخَرَشِيِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَالْخِلَافُ فِيهَا خِلَافٌ فِي حَالٍّ هَلْ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا اهـ.

2 -

(الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَوْ تَكُونُ أَيْ الْمَنْفَعَةُ مَمْلُوكَةً احْتِرَازًا مِنْ الْأَوْقَافِ عَلَى السُّكْنَى كَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ، وَكَذَا كُلُّ بِلَادٍ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي مَكَّةَ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا مُحْتَجًّا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَتَلَ قَوْمًا فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَهُوَ دَلِيلُ الصُّلْحِ، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً مُحْتَجِّينَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ مُجَاهِدًا بِالْأَسْلِحَةِ نَاشِرًا لِلْأَلْوِيَةِ بَاذِلًا لِلْأَمَانِ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَنْوَةِ قَطْعًا قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا وَدَى الطَّائِفَةَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ» لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّنَهُمْ وَعَصَمَ دِمَاءَهُمْ جَمِيعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَكَانَ مُقْتَضَى اتِّفَاقِ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَنْ لَا يَقُولُوا بِجَوَازِ كِرَاءِ دُورِهَا لَا سِيَّمَا، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَرْضَ زِرَاعَةٍ أَوْ أَرْضَ دُورٍ كَمَا فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ لِلْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِرَاءِ دُورِ مَكَّةَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ عَنْ مَالِكٍ.

(الْأُولَى) الْمَنْعُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي رِسَالَتِهِ تُحْفَةُ الْمُرِيدِ السَّالِكِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ اهـ.

وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ

(وَالثَّانِيَةُ) الْجَوَازُ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ أَيْضًا، وَفِي مُقَدِّمَاتِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَةُ ذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015