الْإِبَاحَةُ احْتِرَازًا مِنْ الْغِنَاءِ، وَآلَاتِ الطَّرَبِ وَنَحْوِهِمَا. الثَّانِي قَبُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُعَاوَضَةِ احْتِرَازًا مِنْ النِّكَاحِ. الثَّالِثُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً احْتِرَازًا مِنْ التَّافِهِ الْحَقِيرِ الَّذِي لَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً احْتِرَازًا مِنْ الْأَوْقَافِ عَلَى السُّكْنَى كَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ. الْخَامِسُ أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ احْتِرَازًا مِنْ إجَارَةِ الْأَشْجَارِ لِثِمَارِهَا أَوْ الْغَنَمِ لِنِتَاجِهَا، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ إجَارَةُ الْمُرْضِعِ لِلَبَنِهَا لِلضَّرُورَةِ فِي الْحَضَانَةِ. السَّادِسُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا احْتِرَازًا مِنْ اسْتِئْجَارِ الْأَخْرَسِ لِلْكَلَامِ. السَّابِعُ أَنْ تَحْصُلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ احْتِرَازًا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْإِجَارَةِ عَلَيْهَا كَالصَّوْمِ، وَنَحْوِهِ. الثَّامِنُ كَوْنُهَا مَعْلُومَةً احْتِرَازًا مِنْ الْمَجْهُولَاتِ مِنْ الْمَنَافِعِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ آلَةً لَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ بِهَا أَوْ دَارًا مُدَّةً غَيْرَ مَعْلُومَةٍ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ إذَا اجْتَمَعَتْ جَازَتْ الْمُعَاوَضَةُ، وَإِلَّا امْتَنَعَتْ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِرَاءِ دُورِ مَكَّةَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَالْجَوَازُ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ مُنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا عِنْدَنَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَالْكَرَاهَةُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَتَخْصِيصُهَا بِالْمَوْسِمِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ وَاحْتِيَاجِهِمْ لِلْوَقْفِ لِأَنَّ الْعَنْوَةَ عِنْدَنَا وَقْفٌ، وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ مُجَاهِدًا بِالْأَسْلِحَةِ نَاشِرًا لِلْأَلْوِيَةِ بَاذِلًا لِلْأَمَانِ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ» ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَنْوَةِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا رُوِيَ أَنَّ «خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَتَلَ قَوْمًا فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَهُوَ دَلِيلُ الصُّلْحِ.
(وَجَوَابُهُ) يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ أَمَّنَ تِلْكَ الطَّائِفَةَ، وَعَصَمَ دِمَاءَهُمْ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
(سُؤَالٌ) اعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَالنُّقُولِ أَنْ يَحْرُمَ كِرَاءُ دُورِ مِصْرَ وَأَرَاضِيهَا لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ صَرَّحَ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَخْطِئَةُ الْقَضَاءِ فِي إثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ وَعُقُودِ الْإِجَارَاتِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفُعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(جَوَابُهُ) إنَّ أَرَاضِيَ الْعَنْوَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا هَلْ تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ لِلْإِمَامِ قِسْمَتُهَا كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ أَوْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ، وَالْقَوَاعِدُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ إذَا اتَّصَلَ بِبَعْضِ أَقْوَالِهَا قَضَاءُ حَاكِمٍ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ، وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فَإِذَا مَا حَكَمَ بِثُبُوتِ مِلْكٍ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَيَتَعَيَّنُ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَطَّرِدُ فِي مَكَّةَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الدُّورَ وَقْفٌ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الدُّورَ الَّتِي صَادَفَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQدَفْعُ مُتَمَوِّلٍ إلَخْ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ قَرْضٍ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ عَلَى أَنْ يُرَدَّ مِثْلُهُ، وَمَسْأَلَتُنَا قَرْضُ وَيْبَاتٍ وَحَفَنَاتٍ فَغَيْرُ وَارِدَةٍ لِأَنَّ الطَّعَامَ مَثَلًا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ يَجُوزُ قَرْضُهُ وَالسَّلَمُ فِيهِ، وَالِاخْتِلَافُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ لَا يَضُرُّ اهـ.
قَالَ كنون، وَقَالَ الْبُنَانِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ إلَخْ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُعَاوَضَةً، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ أَبُو عَلِيٍّ قَائِلًا، وَالْقَرْضُ نَفْسُ بَيْعٍ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الْمُكَايَسَةِ فَكَيْفَ يُقْرِضُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا الْمُبَادَلَةُ فِيهِ أَيْ كَلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ اهـ.
وَلَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِ خَلِيلٍ يَجُوزُ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ فَقَطْ إلَّا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ اهـ الْعَيْنُ لِأَنَّهُ يُسْلَمُ فِيهَا عِنْدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَعِيَاضٍ وَالْبَاجِيِّ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ اهـ. وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ الْقَرْضُ وَإِنْ كَانَ نَفْسَ بَيْعٍ إلَّا أَنَّهُ خُولِفَ فِيهِ ثَلَاثُ قَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) الرِّبَا إنْ كَانَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ كَالنَّقْدَيْنِ وَالطَّعَامِ
(وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُزَابَنَةُ، وَهِيَ بَيْعُ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ إنْ كَانَ فِي الْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ
(وَالْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَسَبَبُ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مَصْلَحَةُ الْمَعْرُوفِ اهـ.
حَتَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَرْضُ شَيْءٍ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَتِهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا «رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ» ، وَعَزَاهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلْت الْجَنَّةَ فَوَجَدْت عَلَى بَابِهَا الصَّدَقَةُ بِعَشْرٍ وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْت يَا جِبْرِيلُ كَيْفَ صَارَتْ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ؟ ، قَالَ الصَّدَقَةُ فِي يَدِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْقَرْضُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي يَدِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ: فِيهِ أَنَّ دِرْهَمَ الْقَرْضِ بِدِرْهَمَيْنِ صَدَقَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَنْفِيسَ كُرْبَةٍ وَإِنْظَارًا إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَرَدِّهِ، فَفِيهِ عِبَادَتَانِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ دِرْهَمَيْنِ، وَهُمَا بِعِشْرِينَ حَسَنَةً فَالتَّضْعِيفُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهُوَ الْبَاقِي فَقَطْ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُسْتَرَدُّ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ: ثَوَابُ الْأَصْلِ وَالْمُضَاعَفَةِ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مِنْ فَضَّلَ الْقَرْضِ عَلَى الصَّدَقَةِ اهـ.
أَفَادَهُ الرَّهُونِيُّ قَالَ الْأَصْلُ فَلِذَلِكَ مَتَى خَرَجَ عَنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ امْتَنَعَ إمَّا لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةِ الْمُقْرِضِ أَوْ لِتَرَدُّدٍ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالسَّلَفِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَعْرُوفِ مَعَ تَعَيُّنِ الْمَحْذُورِ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ أَيْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَوْنُ الْعَارِيَّةِ مَعْرُوفًا كَالْقَرْضِ إلَّا أَنَّهَا تُفَارِقُهُ فِي أَنَّهَا تَجُوزُ إذَا وَقَعَتْ إلَى أَجَلٍ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْقَرْضِ، وَذَلِكَ