حَقِيقَةً، ثُمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ يُمْكِنُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ وَنَقُولُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُجْمَلًا فَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال وَلَنَا تَرْجِيحُ الْمَجَازِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ.
(الثَّالِثُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» فَلَوْ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَالِ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَزْمَانِ الثَّلَاثَةِ فِي اللِّسَانِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُهُ غَيْرَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ تَلْزَمُ الْحَقِيقَةَ الْوُجُودِيَّةَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى لَا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَمَعْنًى آخَرَ وُضِعَ لَهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ قَبْلَ هَذَا وَالْحَقِيقَةُ الْوُجُودِيَّةُ الْمُرَادُ بِهَا كَوْنُ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ مَوْجُودَةٌ فَالْمَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ قَالَ
(الثَّالِثُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» فَلَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِقَالَةِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْجَوَابِ الثَّالِثِ) قُلْت لَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إنَّمَا هِيَ بِالضِّمْنِ لَا بِالصَّرِيحِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْإِقَالَةِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ مُخَالَفَةُ آخِرِ الْكَلَامِ أَوَّلَهُ فَإِنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي صَرِيحًا ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ.
وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ التَّأَكُّدُ لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ وَذَلِكَ مَرْجُوحٌ فَإِنَّ حَمْلَ كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى التَّأْسِيسِ إذَا احْتَمَلَهُ أَوْلَى وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ أَوْ الْمُعْتَادَيْنِ لِلْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ مَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا الْعَقْدُ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمَا وَفِي صَفْقَةِ الْخِيَارِ وَغَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي حَمْلِ لَفْظِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَجَازِ وَحَمْلِ لَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ضُرُوبٌ مِنْ ضَعْفِ الْكَلَامِ وَتَعَارُضِهِ وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِفَصَاحَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَفِي حَمْلِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْمَجَازِ وَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ وَحَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ قُوَّةُ الْكَلَامِ وَاسْتِقَامَتُهُ وَثُبُوتُ فَائِدَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQنَحْوِ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَجْهُولِ قَبْلَ إبَاقِهِ صِفَتُهُ فَهُوَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَغَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَحْصُلُ أَمْ لَا وَيُوجَدُ الْغَرَرُ بِدُونِ الْجَهَالَةِ فِي نَحْوِ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ إبَاحَةِ صِفَتِهِ فَهُوَ مَعْلُومٌ قَبْلَ الْإِبَاقِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ وَهُوَ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا وَتُوجَدُ الْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ فِي نَحْوِ شِرَاءِ حَجَرٍ يَرَاهُ لَا يَدْرِي أَهُوَ زُجَاجٌ أَمْ يَاقُوتٌ فَمُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلَا غَرَرَ وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ تَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ نَعَمْ قَدْ يَتَوَسَّعُ الْعُلَمَاءُ فِيهِمَا فَيَسْتَعْمِلُونَ أَحَدَهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُوجَدُ فِي الْمَبِيعَاتِ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ بِأَحَدِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ
(الْأَوَّلُ) الْجَهْلُ بِتَعْيِينِ الْعَقْدِ أَيْ الْجَهْلُ بِوُجُودِ الْمَعْقُودِ بِهِ عَلَيْهِ كَالْآبِقِ قَبْلَ الْإِبَاقِ
(وَالثَّانِي) الْجَهْلُ بِتَعْيِينِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ
(وَالثَّالِثُ) الْجَهْلُ بِجِنْسِهِ كَسِلْعَةٍ لَمْ يُسَمِّهَا
(وَالرَّابِعُ) الْجَهْلُ بِنَوْعِهِ كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ
(الْخَامِسُ) الْجَهْلُ بِالْحُصُولِ إنْ عُلِمَ الْوُجُودُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّادِسُ الْجَهْلُ بِالْمِقْدَارِ كَالْبَيْعِ إلَى مَبْلَغِ رَمْيِ الْحَصَاةِ وَالسَّابِعُ الْجَهْلُ بِالْبَقَاءِ كَالثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَبَقِيَ الْجَهْلُ بِالْأَجَلِيِّ إنْ كَانَ هُنَاكَ أَجَلٌ وَالْجَهْلُ بِالصِّفَةِ فَهَذِهِ تِسْعَةُ مَوَارِدَ لِلْغَرَرِ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ لِلْغَرَرِ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ
(الْأَوَّلُ) كَثِيرٌ مُمْتَنِعٌ إجْمَاعًا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَمِنْ ذَلِكَ جَمِيعُ الْبُيُوعِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعٍ يُؤَجِّلُونَهُ إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ يُنْتَجُ مَا فِي بَطْنِهَا وَالْغَرَرُ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ جَهْلِ الْأَجَلِ بَيِّنٌ وَإِمَّا عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعِ جَنِينِ النَّاقَةِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ هِيَ مَا فِي بُطُونِ الْحَوَامِلِ وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي ظُهُورِ الْفُحُولِ وَكَبَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ وَبَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَكَانَتْ صُورَتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ وَلَا يَنْشُرُهُ أَوْ يَبْتَاعُهُ لَيْلًا وَلَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ الْجَهْلُ بِالصِّفَةِ وَكَبَيْعِ الْمُنَابَذَةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ إلَى صَاحِبِهِ الثَّوْبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَ أَنَّ هَذَا بِهَذَا، بَلْ كَانُوا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى الِاتِّفَاقِ وَكَبَيْعِ الْحَصَاةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي أَيُّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِي بِهَا فَهُوَ لِي، وَقِيلَ أَيْضًا إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إذَا وَقَعَتْ الْحَصَاةُ مِنْ يَدِي فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ.
وَهَذَا قِمَارٌ فَهَذِهِ وَنَحْوُهَا كُلُّهَا بُيُوعٌ جَاهِلِيَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِكَثِيرِ الْغَرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ جِهَاتِ الْجَهَالَةِ الْمَذْكُورَةِ
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) قَلِيلٌ جَائِزٌ إجْمَاعًا كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مُتَوَسِّطٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هُوَ يُلْحَقُ بِالْأَوَّلِ