الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دَفْعٌ لِلضَّرَرِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنْ وُصِفَ وَنَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ
(وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) الْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ لَوْ رَآهُ وَأَسْلَمَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ
(وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ الصِّفَةَ تَنْفِي الْجَهَالَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ لِأَجْلِ الْإِحَاطَةِ بِصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ وَقِيَاسًا عَلَى السَّلَمِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ فَمَتَى فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ (تَنْبِيهٌ)
حَيْثُ اشْتَرَطْنَا الصِّفَاتِ فِي الْغَائِبِ أَوْ السَّلَمِ فَيُنَزَّلُ كُلُّ وَصْفٍ عَلَى أَدْنَى رُتْبَةٍ وَصِدْقِ مُسَمَّاهُ لُغَةً لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَرَاتِبِ الْأَوْصَافِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَيُؤَدِّي
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهَبَ عِنْدَهُ اهـ بِاخْتِصَارٍ وَبَعْضِ إيضَاحٍ قُلْت وَبِهَذَا يَخْرُجُ عَنْ حُرْمَةِ تَقْلِيدِ الضَّعِيفِ لِمَا رَجَّحَهُ الْأَشْيَاخُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ وَلَعَلَّ وَجْهَ ظُهُورِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَإِنَّمَا فِيهِ الْمُقَاصَّةُ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ يُقَاصُّهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ حَيْثُ لَا شَرْطَ وَلَا عُرْفَ وَلَا نَوَى الِاقْتِطَاعَ وَلَكِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ جَوَازُهُ مَعَ نِيَّةِ الِاقْتِطَاعِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ اهـ كَلَامُ عبق بِتَصَرُّفٍ مَا.
وَتَعَقَّبَ الْبُنَانِيُّ قَوْلَهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْمَوَّاقِ، بَلْ هُوَ تَحْرِيفٌ لِكَلَامِهِ وَنَصُّهُ وَكَانَ ابْنُ سِرَاجٍ يَقُولُ إذْ خَدَمَ مَعَك مَنْ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَك أَنْ تُقَاصَّهُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ قَالَ وَبِهَذَا أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ لِظُهُورِهِ عِنْدَهُ إذْ مَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ يَخْفَى عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا مُخَالَفَتِهِ لَهُ تَأَمَّلْهُ اهـ.
وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وكنون وَلَمْ يُسَلِّمَا تَعَقَّبَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ مِنْ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَدِينِ فِي الْيَسِيرِ وَالدَّيْنِ لَمْ يَحِلَّ جَائِزٌ وَإِنْ حَلَّ فَلَا يَجُوزُ فِي يَسِيرٍ وَلَا كَثِيرٍ اهـ. بَلْ قَالَا لَيْسَ فِي نَقْلِ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَلَا فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ مَا ذَكَرَهُ الْبُنَانِيُّ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
قَالَ عبق وَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى مَنْعِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي مَنَافِعَ مَضْمُونَةٍ كَرُكُوبِ دَابَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَسُكْنَى دَارٍ كَذَلِكَ قَالَهُ الشَّارِحُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ لَا بُدَّ مِنْ تَعَيُّنِهَا فِي الْكِرَاءِ، وَلَوْ اكْتَرَيَا بِالنَّقْدِ اهـ. مِنْ عج تَبَعًا لِبَعْضِ الشَّارِحِينَ أَيْ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً، وَقَدْ يُقَالُ لَا مَانِعَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا مَرَّ فِي الْحَجِّ مِنْ قَوْلِهِ فَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهِ وَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ ضُمِنَتْ فَجِنْسٌ اهـ. لَكِنْ قَالَ الْبُنَانِيُّ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ وَمَا سَيَأْتِي كِلَاهُمَا فِي غَيْرِ الرُّبَاعِ وَسَيَقُولُ وَعَيْنُ مُتَعَلِّمٍ وَرَضِيعٍ وَدَارٍ وَحَانُوتٍ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ، وَقَدْ يُقَالُ لَا مَانِعَ إلَخْ اهـ. وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وكنون
(الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) النُّقُودُ إذَا شُخِّصَتْ وَتَعَيَّنَتْ لِلْحِسِّ بِدُونِ أَنْ تَخْتَصَّ بِصِفَةِ الْحُلِيِّ أَوْ رَوَاجِ السِّكَّةِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَفِي تَعَيُّنِهَا وَعَدَمِ تَعَيُّنِهَا أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا إنْ شَاءَ بَائِعُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا لِقَابِضِهَا الْأَوَّلِ نَسَبَهُ الْأَصْلُ لِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَالثَّانِي نَسَبَهُ لِمَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَالثَّالِثُ لَمْ يَنْسُبْهُ لِأَحَدٍ قَالَ، وَأَمَّا إذَا اخْتَصَّ النَّقْدُ بِصِفَةِ نَحْوِ الْحُلِيِّ أَوْ رَوَاجِ السِّكَّةِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ اتِّفَاقًا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ
(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) إنَّ غَرَضَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا عِنْدَ الْفَلْسِ وَالنَّقْدِ الْمُعَيَّنِ آكَدُ مِنْ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لِتَشَخُّصِهِ فَإِذَا تَعَيَّنَ النَّقْدَانِ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَا إذَا شُخِّصَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ.
(الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَيَّنُ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ النَّقْدَانِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الدَّيْنِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا تَعَيَّنَ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ بِاللَّدَدِ وَقُرْبِ الْإِعْسَارِ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ الدَّيْنُ، وَلَوْ حَصَلَ فِي النَّقْدِ اخْتِلَافٌ لَتَعَيَّنَتْ أَيْضًا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ أَيْ فَالْقِيَاسُ عَلَى الدَّيْنِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا يَصِحُّ
(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ ذَوَاتَ الْأَمْثَالِ كَأَرْطَالِ الزَّيْتِ مِنْ خَابِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَقْفِزَةِ الْقَمْحِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِيَّاتِهَا غَرَضٌ، بَلْ كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْآخَرِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ أَقْفِزَةٍ كِيلَتْ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِطْلًا مِنْ أَرْطَالِ زَيْتٍ وُزِنَتْ مِنْ جَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَهُ مَوْرِدَ الْعَقْدِ وَعَيَّنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَعَ عَدَمِ الْغَرَضِ فَكَذَلِكَ النَّقْدَانِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّ السِّلَعَ وَإِنْ كَانَتْ ذَوَاتَ أَمْثَالٍ فَإِنَّهَا مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَانِ وَسِيلَتَانِ لِتَحْصِيلِ الْمُثَمَّنَاتِ وَالْمَقَاصِدُ أَشْرَفُ مِنْ الْوَسَائِلِ إجْمَاعًا فَلِشَرَفِهَا اُعْتُبِرَ تَشْخِيصُهَا فَأَثَّرَتْ بِشَرَفِهَا فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهَا بِخِلَافِ الْوَسَائِلِ فَإِنَّهَا لِضَعْفِهَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَشْخِيصُهَا فَلَمْ تُؤَثِّرْ بِضَعْفِهَا فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهَا إذَا قَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَلَمْ يَخْتَصَّ بِمَعْنًى فِيهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مِنْ السِّلَعِ وَبَيْنَ النَّقْدَيْنِ