ذَلِكَ وَلَا جَرَمَ مَنْ لَا يَكُونُ هَذَا الْمَعْنَى مُقَدَّرًا فِي حَقِّهِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّهِ سَلَمٌ وَلَا ثَمَنٌ إلَى أَجَلٍ وَلَا حَوَالَةٌ وَلَا حَمَالَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الذِّمَّةِ وَبَسَطَهَا وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْهَا وَالسَّبَبُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يُقَدِّرُ الشَّرْعُ عِنْدَهُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الذِّمَّةُ، وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فَحَقِيقَتُهَا عِنْدَنَا قَبُولٌ يُقَدِّرُهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ وَسَبَبُ هَذَا الْقَبُولِ الْمُقَدَّرِ التَّمْيِيزُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّمَيُّزُ مَعَ التَّكْلِيفِ.
وَهَذَا الْقَبُولُ الَّذِي هُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِنْدَنَا الْإِبَاحَةُ فَإِنَّ الْفُضُولِيَّ عِنْدَنَا لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَتَصَرُّفُهُ حَرَامٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَرْبِيَّ وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا مُعَامَلَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مَا أَخَذَهُ الرِّبَا مُحَرَّمًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفَرْعِ الشَّرِيعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا فَكَانَتْ مُعَامَلَتُهُ إذَا كَانَ يَتَعَاطَى الرِّبَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَذِّرٍ أَشَدَّ مِنْ الذِّمِّيِّ
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ ثَبَتَ مِلْكُهُ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ بِالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا تَابَ الْمُسْلِمُ لَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] وَمَا هُوَ بِصَدَدِ الثُّبُوتِ الْمُسْتَمِرِّ وَقَابِلٌ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِمَّا لَا يَقْبَلُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَلِمُلَاحَظَةِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ اعْتَمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَوَرِّعِينَ عَلَى مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ أَكْثَرَ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الرِّبَا مَعَ الْحَرْبِيِّ أَيْ مُطْلَقًا ظَهَرَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ لَا رِبَا إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» وَالْحَرْبِيُّ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ)
الْمِلْكُ سَبَبٌ عَامٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ بِحَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فِي صُورَةٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ فَيَجْتَمِعَانِ فِي الْبَالِغَيْنِ الرَّاشِدَيْنِ النَّافِذَيْنِ لِلْكَلِمَةِ الْكَامِلَيْنِ الْأَوْصَافِ وَيَنْفَرِدُ الْمِلْكُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ وَلَا يَتَصَرَّفُونَ وَيَنْفَرِدُ التَّصَرُّفُ عَنْ الْمِلْكِ فِي الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ وَلَا مِلْكَ لَهُمْ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْمِلْكَ صِفَةٌ لِلْمَمْلُوكِ أَوْ صِفَةٌ لِلْمَالِكِ وَفِي أَنَّهُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ أَوْ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا الْأَصْلُ وَإِلَى الثَّانِي مِنْهُمَا ابْنُ الشَّاطِّ وَخُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ الْمِلْكَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمْكِينَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْعِوَضُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ وَأَنَّ دَلِيلَ كَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا) الْإِجْمَاعُ
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ وَكُلُّ مَا يَتْبَعُهَا فَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ الْخَاصَّةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْخَاصَّةِ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَرَّرَتْ قَوَاعِدُ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وَشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَخُصُوصِيَّاتُ هَذِهِ الْأَيَّامِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ، وَأَمَّا إنَّهُ مُقَدَّرٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ الْإِبَاحَةُ وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ مِنْ بَابِ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ، بَلْ فِي الْأَذْهَانِ فَهِيَ أَمْرٌ يَفْرِضُهُ الْعَقْلُ كَسَائِرِ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَنَا أَنْ نُغَيِّرَ عِبَارَةَ الْحَدِّ فَنَقُولُ إنَّ الْمِلْكَ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَقْتَضِي تَمَكُّنَ صَاحِبِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ الْحَدُّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمِلْكُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ إنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَخِطَابَ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا، بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةٌ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بَعِيدٌ ضَرُورَةً أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سَبَبٌ لِمُسَبَّبَاتٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَثُوبَاتٍ وَتَعْزِيرَاتٍ وَمُؤَاخَذَاتٍ وَكَفَّارَاتٍ وَغَيْرِهَا.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِخِطَابِ الْوَضْعِ مُطْلَقُ التَّرْتِيبِ أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الظُّهْرِ مَعَ كَوْنِهِ مُسَبَّبًا عَلَى الزَّوَالِ هُوَ سَبَبٌ لَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ سَبَبُ الثَّوَابِ وَتَرْكُهُ سَبَبُ الْعِقَابِ وَوُجُوبُهُ سَبَبًا لِتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يُسَمَّى سَبَبًا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، بَلْ الضَّابِطُ لِلْبَابَيْنِ أَنَّ الْخِطَابَ