(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ أُشْكِلَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ فَإِذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSصَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ فَفَعَلْت أَيْ مَلَّكْته الْأَلْفَ بِشَرْطِ التَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ التَّلَفُّظُ بِمَا يَقْتَضِيهِ فَيَنْدَفِعُ الْإِلْزَامُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَقَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ إلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ بَعْدُ مِنْ حِكَايَةِ أَقْوَالٍ لَا كَلَامَ فِيهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا ذِمَّةَ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ كَوْنَ الْإِنْسَانِ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ وَالْتِزَامِهَا شَرْعًا فَالصَّبِيُّ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ كَوْنَهُ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا فَالصَّبِيُّ لَهُ ذِمَّةٌ لِلُزُومِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَم الْمُتْلَفَاتِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِخَوْفِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَوْ فِطْرٌ لِإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ لِخَطَأٍ لَا لِجَهْلٍ أَوْ وَطِئَ غَيْرَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا لَيْلًا، وَلَوْ عَمْدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا لِلصَّوْمِ أَوْ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ أَيْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فَيُبْنَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ وَيُتِمُّهُ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفِطْرُ لِمَرَضٍ لَا يُبْطِلُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْإِغْمَاءُ كَالْمَرَضِ وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ كَالْمَرِيضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبِدَايَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنْ وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَا يَسْتَأْنِفُ عَلَى حَالٍ نَظَرًا لِكَوْنِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ تَرْفَعُ الْحِنْثَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِاتِّفَاقٍ وَحَكَى الْأَصْلُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنْ وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ. اهـ.
فَحَرِّرْ هَذَا تَوْضِيحُ الْفَتَاوَى عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ فَتْوَى مَذْهَبٍ مِنْهَا إلَّا أَنَّ سِرَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى الْفَتْوَى مِنْ مَذْهَبَيْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَعَلَا وَطْءَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا مُطْلَقًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوَّلَ الصَّوْمِ أَوْ آخِرَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا مُوجِبًا لِابْتِدَاءِ الصَّوْمِ، وَوَطْءَ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْأَكْلَ نَهَارًا عَمْدًا فَقَطْ مُوجِبًا لِابْتِدَائِهِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَعَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَقَدْ جَعَلَا وَطْءَ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْأَكْلَ نَهَارًا مُطْلَقًا أَيْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا مُوجِبًا لِابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَطْءَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا عَمْدًا فَقَطْ لِابْتِدَائِهِ وَالشَّافِعِيُّ وَطْؤُهَا إمَّا لَا يُوجِبُ الِابْتِدَاءَ عَلَى حَالٍ، وَأَمَّا لَيْلًا فَقَطْ لَا يُوجِبُهُ كَمَا تَوَضَّحَ وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ التَّتَابُعَ صِفَةُ الصَّوْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ وَصِفَةَ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ مُكَلَّفٌ بِوُجُوبِهَا وَعَدَمَ وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الظَّاهِرِ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ كَذَا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْقَاعِدَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مَبْسُوطَةٌ أَنَّ الْوُجُوبَ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَإِرَادَتُهُ فَمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ لَا يُكَلَّفُ لَك وَكَذِبُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَعْلَمَ بِهِ.
غَيْرَ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْعِلْمِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي التَّكْلِيفِ فَيَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهَا لِمُنَافَاتِهَا التَّكْلِيفَ بِمُنَافَاتِهَا لِشَرْطِهِ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ بِالْعِبَادِ وَأَنَّ الشَّرْطَ كَالسَّبَبِ وَالْمَانِعِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا إرَادَةٌ كَالتَّوْرِيثِ بِالْأَنْسَابِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَلَا هُوَ مِنْ قُدْرَتِهِ وَلَا إرَادَتِهِ فَيَقْدَحُ فِيهِ النِّسْيَانُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ يَثْبُتُ مُطْلَقًا وَمَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا اُعْتُبِرَ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ شَرْطًا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] أَنَّهُ بَعْدَ الظِّهَارِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهِمَا وَطْءٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إمَّا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَيْ لِيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَإِمَّا خَبَرٌ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ حُذِفَ مِنْهُ إمَّا الْمُبْتَدَأُ أَيْ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَإِمَّا الْخَبَرُ أَيْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُمَا لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهِمَا وَطْءٌ أَمْرَانِ قَدْ يَتَغَيَّرُ أَحَدُهُمَا بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ فَيَسْتَحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَعْدَ تَغَيُّرِ أَحَدِهِمَا بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ أَنْ يُصَدَّقَ أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَيَبْقَى الْآخَرُ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِي خِلَالِهِمَا وَطْءٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَالْمُمْكِنَ يُسْتَصْحَبُ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَلِذَلِكَ قُلْنَا نَحْنُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَبْتَدِئُ الصَّوْمَ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَهُ مُطْلَقًا وَأَبُو حَنِيفَةَ عَمْدًا فَقَطْ.
وَإِنْ كَانَ وَصْفُ تَقَدَّمْ عَدَمِ الْوَطْءِ قَدْ تَعَذَّرَ؛ لِأَنَّهُ أَيْ التَّتَابُعَ هُوَ الْمُمْكِنُ الْبَاقِي، وَأَمَّا فِي فِطْرِهِ نَاسِيًا النَّذْرُ الْمُتَتَابِعَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ فَيَأْتِي بِيَوْمٍ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا يَصِلُهُ بِآخِرِ صِيَامِهِ تَكْمِلَةً لِلْعِدَّةِ لَا لِتَحْصِيلِ وَصْفِ التَّتَابُعِ فِي جَمِيعِ الصَّوْمِ، بَلْ فِي آخِرِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ قَدْ تَعَذَّرَ وَبَقِيَ تَحْصِيلُهُ فِي آخِرِهِ مُمْكِنًا فَوَجَبَ الْمُمْكِنُ وَسَقَطَ الْمُتَعَذِّرُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الْوَارِدُ هُنَا عَلَى الْفَتَاوَى الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا مِنْ جِهَةِ