لَمْ تَرِدْ فِيهِ هَذِهِ الشَّائِبَةُ، بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ فَلِذَلِكَ حَيْثُ حَصَلَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْبَرَاءَةُ سَقَطَتْ الْوَسِيلَةُ إلَيْهِ وَهِيَ الِاسْتِبْرَاءُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ تِلْكَ الصُّوَرِ عَنْ الْحَاجَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِثْلُهَا فِي قَاعِدَةِ الْعِدَدِ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ يَكْفِي قُرْءٌ وَاحِدٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالشُّهُورِ لَا يَكْفِي شَهْرٌ) مَعَ أَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ يَحْصُلُ لَهُنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ قُرْءٌ كَأَنْ يُكْتَفَى بِشَهْرٍ كَمَا اُكْتُفِيَ بِقُرْءٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْقُرْءَ الْوَاحِدَ وَهُوَ الْحَيْضُ دَالٌّ عَادَةً عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّ الْحَيْضَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَمْلِ غَالِبًا فَكَانَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيْضِ دَالًّا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ الْحَمْلِ، وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ قُرْءًا وَاحِدًا فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ مَنِيًّا فِي الرَّحِمِ نَحْوَ الشَّهْرِ، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً بَعْدَ أَنْ صَارَ عَلَقَةً فَلَا يَظْهَرُ الْحَمْلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَتُكْبِرُ الْجَوْفَ وَتَحْصُلُ مَبَادِئُ الْحَرَكَةِ أَمَّا الشَّهْرُ الْوَاحِدُ فَجَوْفُ الْحَامِلِ فِيهِ مُسَاوٍ فِي الظَّاهِرِ لِغَيْرِ الْحَامِلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَاعْتُبِرَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعَقِّبَ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا أَرْبَعَةً فَفِي جَوَازِهِ وَأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي الْحُكْمِ إمَّا اعْتِبَارُ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ وَإِمَّا اعْتِبَارُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ سِتَّةٌ وَعَدَمُ جَوَازِهِ وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي خِلَافٌ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ نَعَمْ صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ بِأَنَّ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ أَثَرًا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا عَشَرَةً كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْوَحَدَاتِ مِنْ الطَّلَاقِ)
قَاعِدَةُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ مُعَرَّضًا لِلنِّسْيَانِ فَيَنْدَرِجُ فِي الْكَلَامِ سَهْوًا فَيَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ تَقْتَضِي أَنَّ الْعَطْفَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ظَاهِرٌ فِي مَنْعِ الِاسْتِثْنَاءِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ خُصُوصُ الْمَعْطُوفِ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ إلَّا خَالِدًا أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِلْعُقَلَاءِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَنَحْوُ لِلَّهِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا ضَرُورَةَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُطْلَقِ الْقَصْدِ إلَى شَيْءٍ فِي الْمَعْطُوفِ، وَإِذَا قَصَدَ إلَى شَيْءٍ فِي الْمَعْطُوفِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْكَلَامِ الْمُسْتَقِلِّ الْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ جَوَّزُوا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً قَالَ الْأَصْلُ وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ لَهَا عِبَارَتَانِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَكَمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الثَّلَاثِ يَصِحُّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْأُخْرَى وَالْفَرْضُ أَيْضًا أَنَّ خُصُوصَ الْوَحَدَاتِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ بِخِلَافِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُصُوصًا لَيْسَ لِلْآخَرِ، وَالْوَحَدَاتُ مُسْتَوِيَةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَحَدَاتٌ فَصَارَ إجْمَالُهَا وَتَفْصِيلُهَا سَوَاءً لَكِنْ كَانَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ أَنَّ الْعِلَّةَ تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ وُجُودًا وَعَدَمًا أَنْ يَقُولُوا بِجَوَازِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَأَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَهُمْ لَا تَتَعَيَّنُ وَإِنْ عُيِّنَتْ فَإِنَّ خُصُوصَ دِرْهَمٍ لَا مَزِيَّةَ لَهُ عَلَى خُصُوصِ دِرْهَمٍ آخَرَ قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ فِي هَذَا أَيْ الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ نَقْلًا، بَلْ حَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ الْمَنْعَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. اهـ.
فَمِنْ هُنَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ الْقَرَافِيُّ، قُلْت يَوْمًا لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْفُقَهَاءَ الْتَزَمُوا فِي الْأُصُولِ قَاعِدَةَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَخَالَفُوهَا فِي الْفُرُوعِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا إلَّا الْكَتَّانَ فَقَعَدَ عُرْيَانًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَا الْكَتَّانَ وَعَلَى لُبْسِ الْكَتَّانِ وَمَا لَبِسَ الْكَتَّانَ فَيَحْنَثُ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَبَبُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تَتْبَعُ الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةَ دُونَ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا تَعَارَضَا، وَقَدْ انْتَقَلَ إلَّا فِي الْحَلِفِ لِمَعْنَى الصِّفَةِ مِثْلُ سِوَى وَغَيْرِ فَمَعْنَى حَلِفِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا سِوَى الْكَتَّانِ أَوْ غَيْرَ الْكَتَّانِ فَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُغَايِرُ لِلْكَتَّانِ وَالْكَتَّانُ لَيْسَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ لُبْسُهُ وَلَا تَرْكُهُ، ثُمَّ تُوَفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاتَّفَقَ الْبَحْثُ مَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ فَالْتَزَمَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا قَعَدَ عُرْيَانًا وَأَنَّ إلَّا عَلَى بَابِهَا وَالِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ