ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ أَوْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا انْقَضَتْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَيْسَ فِي خِلَالِهَا حَيْضٌ اسْتَأْنَفْنَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ كَمَالَ السَّنَةِ فَإِنْ حِضْنَ قَبْلَ السَّنَةِ بِلَحْظَةٍ اسْتَأْنَفْنَ الْأَقْرَاءَ حَتَّى تَمْضِيَ سَنَةٌ لَا حَيْضَ فِيهَا وَوَافَقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَنْتَظِرُ الْحَيْضَ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ حُجَّةُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رُفِعَتْ عَنْهَا حَيْضَتُهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَاكَ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؛ وَلِأَنَّهُنَّ بَعْدَ التِّسْعَةِ يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ إذْ لَوْ كَانَ لَظَهَرَ غَالِبًا فَيَنْدَرِجْنَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] إذَا تَقَرَّرَ هَذَا بَقِيَ السُّؤَالُ الْمُحْوِجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَاعِدَةِ تَقَدُّمِ الْعَدَدِ قَبْلَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُنَّ إذَا مَضَى لَهُنَّ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَا حَيْضَ فِيهَا فَقَدْ مَضَى لَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي خِلَالِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أُخَرَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ تَمْضِي قَبْلَ الْعِلْمِ وَالْمَقْصُودُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا حَمْلٌ.
وَقَدْ حَصَلَتْ فَالْمَوْضِعُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ النِّسْوَةَ وَإِنْ انْكَشَفَ الْغَيْبُ عَنْ إيَاسِهِنَّ إلَّا أَنَّ الْعِدَّةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ بَعْدَ سَبَبِهَا وَإِنْ عُلِمَ حُصُولُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ قَبْلَ السَّبَبِ فَإِنَّ مَنْ غَابَ عَنْ امْرَأَةٍ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْعَشْرِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَهِيَ الْعَشْرُ سِنِينَ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَقَعَتْ قَبْلَ السَّبَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ) لِصَاحِبِ الْمُغْنِي أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُنْظَرَ لِمَا أَرَادَهُ هَذَا الشَّاعِرُ الْمُعَيَّنُ فَيُقَالُ هُوَ إنَّمَا أَرَادَ الثَّلَاثَ لِقَوْلِهِ بَعْدُ فَبِينِي بِهَا، الْبَيْتَ، وَإِمَّا أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ وَاسْتِحْسَانَاته م فَيُقَالُ الصَّوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ مُحْتَمِلٌ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ وَلِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ " الـ " فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ كَمَا تَقُولُ الرَّجُلُ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ مِثْلُهَا فِي {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أَيْ، وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةً ثَلَاثٌ وَلَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ عَنْ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ كَمَا يُقَالُ الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانٌ وَلَا كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةٌ وَلَا ثَلَاثٌ فَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا قَالَ الْكِسَائِيُّ وَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ، وَهَذَا مِمَّا فَاتَ الْكِسَائَيَّ.
وَأَمَّا النَّصْبُ فَلِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ حَيْثُ جُعِلَ مَعْمُولًا لِطَلَاقِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إذْ الْمَعْنَى فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاعْتُرِضَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ أَوْ جُعِلَ مَعْمُولًا لِلطَّلَاقِ الثَّانِي وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَمَّا إذَا جُعِلَ مَفْعُولًا لِطَلَاقِ الثَّانِي وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ فَلَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الثَّلَاثِ، بَلْ وَاحِدَةٍ وَلَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي عَزِيمَةٍ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَصْدَرًا مُؤَوَّلَةٌ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ كَمَا أَنَّ طَلَاقَ مُؤَوَّلٌ بِطَالِقٍ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَإِنْ احْتَمَلَهَا بِجَعْلِ " الـ " لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَالطَّلَاقَ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا بِمَعْنَى أَنَّ الْفِرَاقَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ قَالَ الْبُنَانِيُّ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَهُوَ تَحْرِيرٌ عَجِيبٌ اهـ.
وَبَقِيَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ مَعَ النَّظَرِ إلَى قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ وَاسْتِحْسَانَاته م وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيُقَالُ إنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الْوَاحِدَةَ وَغَيْرَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ رَفَعَ أَوْ نَصَبَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ ذَلِكَ مُرَاعَاةً لِلِاحْتِيَاطِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الثَّلَاثُ رَفَعَ أَوْ نَصَبَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَوَاشِي الْمُغْنِي لِلْأَمِيرِ وَالْأَبْيَارِيِّ قَالَ عبق عَلَى خَلِيلٍ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا لُزُومُ الثَّلَاثِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ احْتِيَاطًا اهـ أَيْ وَلَا يُلْتَفَتُ لِمُطَابَقَةِ النَّحْوِ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ الْعِمَادِيُّ مُجِيبًا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الدَّمَنْهُورِيِّ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ هَذَا:
وَمَذْهَبُنَا الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ ... وُقُوعُ ثَلَاثٍ مُطْلَقًا وَهُوَ أَسْلَمُ
إلَى أَنْ قَالَ:
، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُغْنِي خِلَافَ الَّذِي جَرَى ... كَمَا لِلدَّمَامِينِيِّ بِنَصٍّ يُتَرْجَمُ
وَإِنْ انْتِصَابًا وَارْتِفَاعًا كِلَاهُمَا ... يُفِيدُ احْتِمَالَيْهِ بِذَلِكَ صَمَّمُوا
فَيُحْتَمَلُ التَّوْحِيدُ دُونَ ثَلَاثَةٍ ... وَيُحْتَمَلُ التَّوْقِيفُ وَالْوَقْفُ أَفْخَمُ
اهـ كَنُونٍ.
وَأَجَابَ ابْنُ الصَّائِغُ عَنْ الِاحْتِمَالِ مَعَ الرَّفْعِ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَاعْتِمَادِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْوَاحِدَةَ وَغَيْرَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ فَصَحَّ أَنَّهُ عَلَى الرَّفْعِ طَلُقَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي حَوَاشِي الْأَمِيرِ عَلَى الْمُغْنِي وَأَيَّدَهُ فِي الْقَصْرِ بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ اخْتِيَارَهُ الشِّقَّ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي كَمَا زَعَمَ الشُّمُنِّيُّ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُغْنِي بِالصَّوَابِ الْمُقْتَضِي أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْكِسَائِيُّ خَطَأٌ، الثَّانِي أَنَّ السَّائِلَ لَهُ أَجَلُّ فَقِيهٍ فَلَا يَحْسُنُ قَطْعُ النَّظَرِ عَنْ قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَابِهِ وَالْكِسَائِيُّ لَمْ يَكُنْ غَرًّا فِي تِلْكَ الْقَوَاعِدِ