تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بِغَيْرِ مَالٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي عَدَمِ التَّبَرُّعِ وَهَذِهِ قَاعِدَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ نَصَّ عَلَيْهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَلَا تَخْتَصُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِمَا يَجِبُ عَلَى الْمَدْفُوعِ عَنْهُ كَالدَّيْنِ، بَلْ يَنْدَرِجُ فِيهَا غُسْلُ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتُهُ وَرَمْيُ التُّرَابِ مِنْ الدَّارِ وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَجْعَلُ مَالِكٌ لِسَانَ الْحَالِ قَائِمًا مَقَامَ لِسَانِ الْمَقَالِ فَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ بِلِسَانِ مَقَالِهِ وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَجَعَلَ الْأَصْلَ فِي فِعْلِ الْغَيْرِ التَّبَرُّعَ.
وَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ بِلِسَانِ الْمَقَالِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَهُوَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فَيَقُولُ الْمُعْتِقُ قَامَ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَيُقَدَّرُ انْتِقَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَثْبُتَ الْوَلَاءُ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ بِقَاعِدَةِ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُهَا وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ مَعَ الْغَفْلَةِ وَنُجِيبُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْحَيَّ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْعِتْقِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ بَابُ التَّقَرُّبِ فَنَاسَبَ أَنْ يُوَسِّعَ الشَّرْعُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَهُ الْقِيَاسُ عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ كُرْهًا مَعَ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْمَالِكِ وَهَاهُنَا الْمُعْتَقُ عَنْهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَبِأَنَّ مَصْلَحَةَ الزَّكَاةِ عَامَّةٌ فَيُوَسَّعُ فِيهَا لِعُمُومِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهَا قَلِيلَةٌ وَهِيَ خَاصَّةٌ فَلَا يُخَالِفُ فِيهَا قَاعِدَةَ النِّيَّةِ وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ قَاعِدَةَ النِّيَّةِ وَهِيَ مَنْفِيَّةٌ حَالَةَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَأَشْهَبُ يَقُولُ الْإِذْنُ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ قَوْلِهِ قَبْلُ إلَّا أَنْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ فَيَلْزَمَ وَكُلُّهُمْ سَاقُوهُ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَحْكُوا غَيْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ كَلَامُ الرَّهُونِيِّ بِتَصَرُّفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
(خَاتِمَةٌ) نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَهَا اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ هُنَا عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ تَارَةً وَعَدَمَ اعْتِبَارِهَا تَارَةً كَمَا عَلِمْت مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ الَّذِي فَاتَ الْأَصْلَ ذِكْرُهُ فِي فُرُوقِهِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَادَةِ الْمُحَكَّمَةِ وَالْعَادَةِ الْغَيْرِ الْمُحْكَمَةِ وَأَنَا أُحَرِّرُهُ لَك هُنَا لِيَتَّضِحَ لَك الْمَقَامُ بِحَوْلِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ فَأَقُولُ قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِهِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ الْفِقْهِيَّةِ مَا خُلَاصَتُهُ إنَّ الْعَادَةَ الْمُحَكَّمَةَ مَا تَحَقَّقَ فِيهَا شَرْطَانِ
(الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) الِاطِّرَادُ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُطَرِّبَةُ وَفِي اعْتِبَارِ مَا تَعَارَضَتْ فِي اعْتِبَارِهَا لِظُنُونٍ خِلَافٌ
(الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ لَا تَتَعَارَضَ مَعَ شَرْعٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَالْإِقْدَامُ عَلَيْهَا قَطْعًا مَثَلًا إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَرَثَتُهُ عَمَلًا بِتَخْصِيصِ الشَّرْعِ إذْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ قَالَ وَأَصْلُهَا قَالَ الْقَاضِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» قَالَ الْعَلَائِيُّ وَلَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلًا وَلَا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ وَكَثْرَةِ الْكَشْفِ وَالسُّؤَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَاعْتِبَارُ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ رَاجِعٌ إلَيْهِ مَسَائِلُ فِي الْفِقْهِ لَا تُعَدُّ كَثْرَةً قَالَ فَتُعْتَبَرُ وَتُقَدَّمُ حَتَّى عَلَى الشَّرْعِ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّمَكِ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَحْمًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ تَحْتَ سَقْفٍ أَوْ فِي ضَوْءِ سِرَاجٍ لَمْ يَحْنَثْ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ بِسَاطًا وَلَا تَحْتَ السَّمَاءِ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ سَقْفًا وَلَا فِي الشَّمْسِ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ سِرَاجًا أَوْ لَا يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى وَتَدٍ لَمْ يَحْنَثْ بِوَضْعِهَا عَلَى جَبَلٍ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ وَتَدًا أَوْ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً أَوْ دَمًا لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ فَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ يُقَدَّمُ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الشَّرْعِ لِأَنَّهَا اسْتَعْمَلَتْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ بِلَا تَعَلُّقِ حُكْمٍ وَتَكْلِيفٍ قَالَ وَفِي تَقْدِيمِهِ عَلَى اللُّغَةِ إذَا تَعَارَضَ مَعَهَا لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ سِيَّمَا الْأَيْمَانُ أَوْ تَقْدِيمُ اللُّغَةِ عَمَلًا بِالْوَضْعِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ فِي حَقِّ الْعَرَبِيِّ فَقَطْ أَمَّا الْعَجَمِيُّ فَيُعْتَبَرُ عُرْفُهُ قَطْعًا إذْ لَا وَضْعَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعُرْفُ الْخَاصُّ فَإِنْ كَانَ مَحْصُورًا لَمْ تُؤَثِّرْ مُعَارَضَتُهُ لِلْعُرْفِ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْصُورٍ اُعْتُبِرَ وَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعَامِّ فِي الْأَصَحِّ فَافْهَمْ اهـ.
وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَادَةَ الْغَيْرَ الْمُحْكَمَةَ مَا انْتَفَى عَنْهَا أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُطْرِبَةَ لَمْ تَتَقَرَّرْ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى تُعْتَبَرَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمُعَارَضَتِهَا لِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ حُكْمُهَا مُنْكَرًا مِنْ بَقَايَا الْجَاهِلِيَّةِ فِي كُفْرِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُكُوفِهِمْ عَلَى عَوَائِدِهِمْ الَّتِي جَاءَ الشَّرْعُ بِإِبْطَالِهَا فَمَنْ اسْتَحَلَّهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ حُكِمَ بِكُفْرِهِ وَارْتِدَادِهِ كَمَا فِي بُغْيَةِ الْمُسْتَرْشِدِينَ عَنْ أَحْكَامِ النَّوَازِلِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ فَتَاوَى بَامَخْرَمَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ) .
وَذَلِكَ أَنَّ الصَّرِيحَ لُغَةً كَمَا فِي الْمُخْتَارِ كُلُّ خَالِصٍ أَيْ لِقَوْلِ الْعَرَبِ لَبَنٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ وَنَسَبٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَاللَّفْظُ الصَّرِيحُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبُعْدِ وَشَرْعًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ