الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ زَمَنٍ مِنْ النُّطْقِ، وَكَذَلِكَ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَسَائِرُ صِيَغِ الْعُقُودِ وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ لِاسْتِحْدَاثِ هَذِهِ الْمَعَانِي بِالْقَرَائِنِ أَوْ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ.
وَإِنَّمَا الْأَصْلُ الْخَبَرُ فَشَهَادَتُهُمَا بِالْقَرَائِنِ شَهَادَةٌ بِقَوْلٍ يَصْلُحُ لِلْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ الثَّانِي عَلَى الْإِخْبَارِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى وَلِذَلِكَ شَبَّهَ الْأَصْحَابُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَلِذَلِكَ شَبَّهَ الْأَصْحَابُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ) ، قُلْت إنَّمَا لَمْ يَتَعَدَّدْ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِاحْتِمَالِ تَكَرُّرِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ، وَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ خَبَرٌ عَنْ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى مَا أُصِّلَ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ الْخَبَرُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الشَّاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إنْشَاءُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي سُمِّيَ، قُلْت لَا أَدْرِي مَا الْحَامِلُ عَلَى تَكَلُّفِ تَقْدِيرِهِ كَوْنَ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ بِقَرِينَةِ مَقَالِهِ أَوْ بِقَرِينَةِ حَالِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ لَكَمُلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ كَانَ عَقْدَ عِتْقِهِ وَالْقَوْلَ الثَّانِي أَيْضًا كَذَلِكَ لَحَصَلَتْ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ بِعِتْقِهِ فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَوْلَانِ إنْشَاءً أَوْ كَانَا خَبَرًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَبَرًا وَالْآخَرُ إنْشَاءً مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ وُقُوعُ عِتْقِهِ إيَّاهُ قَدْ حَصَلَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ تِلْكَ التَّقَادِيرِ نَعَمْ إذَا تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ تَأْسِيسُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ. اهـ
أَيْ لَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَمَعَهُمَا احْتَوَى عَلَى أَمْرَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا جَائِزٌ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ حَرَّمَهُ قَالَ وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الصَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ ثُمَّ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَلَمَّا ذُكِرَ فِي التُّحْفَةِ مَنْعُ اجْتِمَاعِ السِّتَّةِ الَّتِي فِي الْمَوَّاقِ وَالْحَطَّابِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ الْبَيْعِ أَيْ وَفِي الْأَصْلِ وَهِيَ الرُّمُوزُ لَهَا بِقَوْلِهِمْ جِصّ مُشْنِق قَالَ. وَأَشْهَبُ الْجَوَازُ عَنْهُ مَاضٍ قَالَ: قَالَ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِهَا مَا نَصُّهُ وَمُفَادُ النَّاظِمِ أَنَّ خِلَافَهُ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُهُ وَفِي الْحَطَّابِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. اهـ
مِنْهُ بِلَفْظِهِ قُلْت وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْحَطَّابِ هُوَ كَذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ مَنْصُوصٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي ابْنِ نَاجِي عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمِيعِهَا إلَّا أَنَّ اجْتِمَاعَ الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ الْخِلَافُ بِالتَّخْرِيجِ خَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ فِي بَيْعِ بَتٍّ وَخِيَارٍ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ بِلَفْظِهِ.
وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَفِي كِتَابِ الْجُعْلِ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْبَيْعِ وَالْجُعْلَ وَفِي كِتَابِ الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ الِاخْتِلَافُ فِي بَيْعِ بَتٍّ وَخِيَارٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَيُخْتَلَفُ فِي الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنْهُ بِلَفْظِهِ. اهـ
كَلَامُ الرَّهُونِيُّ وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَاخْتَلَفُوا أَيْ الْفُقَهَاءُ إذَا اقْتَرَنَ بِالْمَهْرِ بَيْعٌ مِثْلُ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ عَبْدًا وَيَدْفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَنْ الصَّدَاقِ وَعَنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَلَا يُسَمِّي الثَّمَنَ مِنْ الصَّدَاقِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفَرَّقَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْبَيْعِ رُبْعُ دِينَارٍ فَصَاعِدًا بِأَمْرٍ فَصَاعِدًا بِأَمْرٍ لَا يَشُكُّ فِيهِ جَازَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَرَّةً قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَمَرَّةً قَالَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ النِّكَاحُ فِي ذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ أَمْ لَيْسَ بِشَبِيهٍ فَمَنْ شَبَّهَهُ فِي ذَلِكَ بِالْبَيْعِ مَنَعَهُ وَمَنْ جَوَّزَ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْجَهْلِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ قَالَ يَجُوزُ اهـ بِلَفْظِهَا.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ كَنُونِ وَأَوْلَى مِنْ مَنْعِ بَيْعٍ وَصَرْفٍ مَنْعِ بَيْعٍ وَبَدَلٍ وَكَمَا اسْتَثْنَوْا مِنْ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ لَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا أَوْ يَجْتَمِعَا فِيهِ كَذَلِكَ يُسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِرْهَمًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَيْ خَلِيلٍ وَبِخِلَافِ دِرْهَمٍ أَيْ بِنِصْفٍ وَفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ وَسَكًّا وَاتَّحَدَتْ وَعَرَفَ الْوَزْنَ وَانْتَقَدَ الْجَمِيعَ اهـ بِتَوْضِيحٍ وَقَالَ عبق عَلَى خَلِيلٍ وَمِنْ الْجُعْلِ الْمُفَارَسَةُ. اهـ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ كنون وَقَوْلُ الزَّرْقَانِيِّ وَالْهِبَةُ كَالْبَيْعِ أَيْ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُهَا مَعَ الصَّرْفِ وَأَمَّا مَعَ الْبَيْعِ فَيَجُوزُ وَمَا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ مِنْ الْمَنْعِ مَرْدُودٌ عَقْلًا وَنَقْلًا اُنْظُرْ الْأَصْلَ أَيْ الرَّهُونِيِّ حَيْثُ قَالَ أَمَّا نَقْلًا فَلِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَلَّمَ فُسْطَاطِيَّةً فِي فُسْطَاطِيَّتَيْنِ مِثْلِهَا إحْدَاهُمَا مُعَجَّلَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤَجَّلَةٌ جَعَلَ الْمُعَجَّلَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُعَجَّلَةِ وَالْمُؤَجَّلَةَ هِبَةً. اهـ
وَنَقَلَهُ الْمَوَّاقُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَمُؤَخَّرٌ فِقْهًا مُسَلَّمًا وَفِي الْمُفِيدِ أَثْنَاءَ كَلَامِهِ عَلَى مَنْ بَاعَ دَارًا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ مَا نَصُّهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ يَنْبَغِي عِنْدِي إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ سَرَفًا أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى النَّفَقَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ إنَّمَا هُوَ كَهِبَةٍ مِنْ أَجْلِ الْبَيْعِ جَائِزَةٌ فَإِذَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهَا وَكَذَلِكَ هُنَا. اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَأَمَّا مَعْنًى أَيْ عَقْلًا فَإِنَّ الْهِبَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْبَيْعِ إنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ تَسْمِيَةٍ فَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَشْتَرِي مِنْك دَارَك بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَهَبَنِي ثَوْبَك فَفَعَلَ فَالدَّارُ وَالثَّوْبُ مَبِيعَانِ مَعًا بِمِائَةٍ وَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَبِيعُك