سَوَاءٌ وَيَلْزَمُ عَلَى سِيَاقِ هَذَا التَّعْلِيلِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَهُمْ لَا تَتَعَيَّنُ وَإِنْ عُيِّنَتْ فَإِنَّ خُصُوصَ دِرْهَمٍ لَا مَزِيَّةَ لَهُ عَلَى خُصُوصِ دِرْهَمٍ آخَرَ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ فِي هَذَا نَقْلًا فَإِنْ طَرَدُوا أَصْلَهُمْ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.
وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ ظَاهِرًا فِي مَنْعِ الِاسْتِثْنَاءِ مُطْلَقًا وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ الْمَنْعَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ)
اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمِلْكِ فَيَقُولُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِلْعَبْدِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ إذَا تَزَوَّجَ وَاشْتَرَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَافَقَنَا عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ بِالنَّذْرِ قَبْلَ الْمِلْكِ فَيَقُولُ إنْ مَلَكْت دِينَارًا فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ الْمُسْلِمُ فِي الذِّمَّةِ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ فَتَمَسُّكُ الْأَصْحَابِ بِوُجُوهٍ
(أَحَدُهَا) الْقِيَاسُ عَلَى النَّذْرِ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكِ بِجَامِعِ الِالْتِزَامِ بِالْمَعْدُومِ
(وَثَانِيهَا) قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَقْدَانِ عَقَدَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِمَا
(وَثَالِثُهَا) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» ، وَهَذَانِ شَرْطَانِ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ مَعَهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُفْرَ أَحَدُ مَوَانِعِ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْك فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ عُقُودِهِمْ. اهـ بِتَغْيِيرٍ وَتَوْضِيحٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الرَّجُلِ الْإِمَاءَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَالْمَرْأَةِ الْعَبْدَ فِي مِلْكِ غَيْرِهَا وَقَاعِدَةِ نِكَاحِ الرَّجُلِ الْإِمَاءَ فِي مِلْكِهِ وَالْمَرْأَةِ الْعَبْدَ فِي مِلْكِهَا)
حَيْثُ إنَّ الثَّانِيَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَيُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ إذَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ بِشَرْطِهِ وَهُوَ فِي الرَّجُلِ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ كَمَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ بِإِطْلَاقٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ تَرْضَى هِيَ وَأَوْلِيَاؤُهَا بِذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَمْرَيْنِ أَوَّلُهُمَا مَبْنَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَثَانِيهِمَا السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ إذَا نَكَحَ الْحُرُّ أَمَةً وَعَدَمِهِ
(أَمَّا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَيْ مَبْنَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ فَثَلَاثُ قَوَاعِدَ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) أَنَّ الْجَانِيَ فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ لَا يُحَدُّ حَالَ جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِّ الزَّجْرُ بِمَا يُشَاهِدُهُ الْمُكَلَّفُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَالْمُذِلَّاتِ وَالْمَهَانَاتِ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمِرْآةِ الْعَقْلِ (وَمِنْهَا) أَنَّ اللِّعَانَ لِنَفْيِ النَّسَبِ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّ الْمَجْبُوبِ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَلْحَقُ بِهِ فَلَا يُفِيدُ اللِّعَانُ شَيْئًا (وَمِنْهَا) أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يُشْرَعُ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْمِيَةُ الْمَالِ وَتَحْصِيلُ مَقَاصِدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ بَلْ هُوَ بَعِيدٌ (وَمِنْهَا) مَا هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ نِكَاحُ الرَّجُلِ أَمَتَهُ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ حَاصِلَةٌ بِالْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يُحَصِّلُ الْعَقْدُ شَيْئًا
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الِاسْتِرْقَاقِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ قِيَامُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْحِفْظِ وَالصَّوْنِ وَالتَّأْدِيبِ لِإِصْلَاحِ الْإِحْلَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] وَمُقْتَضَى الِاسْتِرْقَاقِ قِيَامُ السَّادَاتِ عَلَى الرَّقِيقِ بِالْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالِاسْتِهَانَةِ لِلْأَعْمَالِ وَإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَ تَنَاقُضِ آثَارِ الْحُقُوقِ يَتَعَذَّرُ أَنْ تَكُونَ أَمَةُ الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ يُقَدِّمُ الشَّرْعُ أَقْوَاهُمَا عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَمِنْ ذَلِكَ الرِّقُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْتَضِي مَعَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ صِحَّةَ الْإِيجَارِ وَالْإِخْدَامِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي بَعْضُهَا حِلُّ الْوَطْءِ يَكُونُ أَيْ الرِّقُّ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ إنْ طَرَأَ هُوَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَلَا يَبْطُلُ إنْ طَرَأَ النِّكَاحُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ لِيَتَحَقَّقَ أَثَرُ قُوَّتِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي حَيْثُ فُسِخَ النِّكَاحُ بِطُرُوِّهِ عَلَيْهِ لِوُرُودِ الْمُنَافِي أَنْ يَبْطُلَ الْمِلْكُ بِطُرُوِّ النِّكَاحِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ فَافْهَمْ وَأَمَّا
(الْأَمْرُ الثَّانِي) أَيْ السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي كَوْنِ نِكَاحِ الْحُرِّ الْأَمَةَ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ أَمْ لَا فَهُوَ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ} [النساء: 25] الْآيَةَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} [النور: 32] الْآيَةَ الْأَوْلَى يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحِلَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) عَدَمُ الطَّوْلِ إلَى الْحُرَّةِ وَالثَّانِي خَوْفُ الْعَنَتِ وَعُمُومُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ لَكِنْ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَقْوَى هَاهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الْعُمُومِ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ إلَى صِفَاتِ الزَّوْجِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ الْأَمْرُ