بِهِ فِي ذَلِكَ الْمُجْمَلِ كَذَلِكَ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَافَقَنَا عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَطَلَّقْتُك وَطَلِّقِي نَفْسَك أَنَّهُ إذَا نَوَى بِهَا الثَّلَاثَ لَزِمَتْهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ حَكَى صَاحِبُ كِتَابِ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ إلَى قَاضِيهِ أَبِي يُوسُفَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِ يَمْتَحِنُهُ بِهَا:
فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرِقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ
فَأَنْتَ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثًا وَمَنْ يَخْرِقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ
فَبِينِي بِهَا أَنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ مُقَدَّمُ
وَقَالَ لَهُ إذَا نَصَبْنَا ثَلَاثًا كَمْ يَلْزَمُهُ، وَإِذَا رَفَعْنَا كَمْ يَلْزَمُهُ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَحَمَلَ الرُّقْعَةَ لِلْكِسَائِيِّ وَكَانَ مَعَهُ فِي الدَّرْبِ فَقَالَ لَهُ الْكِسَائِيُّ اُكْتُبْ لَهُ فِي الْجَوَابِ يَلْزَمُهُ بِالرَّفْعِ وَاحِدَةٌ وَبِالنَّصْبِ ثَلَاثٌ يَعْنِي أَنَّ الرَّفْعَ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ الثَّانِي وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ وَبِالنَّصْبِ يَكُونُ تَمْيِيزًا لِقَوْلِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فَإِنْ، قُلْت إذَا نَصَبْنَاهُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ تَمْيِيزًا عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا، قُلْت وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ مِنْ الثَّانِي أَيْ الطَّلَاقُ مَعْزُومٌ عَلَيْهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ ثَلَاثًا أَوْ تَمْيِيزًا لَهُ فَلِمَ خَصَصْته بِالْأَوَّلِ، قُلْت: الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ مُنَكَّرٌ يَحْتَمِلُ بِسَبَبِ تَنْكِيرِهِ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجِنْسِ وَأَعْدَادِهِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّنْكِيرِ فَاحْتَاجَ لِلتَّمْيِيزِ لِيَحْصُلَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْمُنَكَّرِ الْمَجْهُولِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَمُعَرِّفُهَا اسْتَغْنَى بِتَعْرِيفِهِ وَاسْتِغْرَاقِهِ النَّاشِئِ عَنْ لَامِ التَّعْرِيفِ عَنْ الْبَيَانِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَجَّحُ وَيُحْكَى أَنَّ الرَّشِيدَ بَعَثَ لَهُ بِهَذِهِ الرُّقْعَةِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَبَعَثَ أَبُو يُوسُفَ الْجَوَابَ بِهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ عَلَى حَالِهِ وَجَاءَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ بِغَالٌ مُوسَقَةٌ قُمَاشًا وَتُحَفًا جَائِزَةً عَلَى جَوَابِهِ فَبَعَثَ بِهَا أَبُو يُوسُفَ إلَى الْكِسَائِيّ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا بِسَبَبِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعَانَهُ عَلَى الْجَوَابِ فِيهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا زَالَ ذَلِكَ أَيْضًا ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ وَكَانَ الثَّابِتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْإِبَاحَةَ الْمَنْسُوبَةَ إلَى سَبَبٍ مَخْصُوصٍ فَظَهَرَ أَنَّ الْغَايَةَ عَلَى بَابِهَا لَمْ تُخَالِفْ مُقْتَضَاهَا بَلْ هِيَ مَعْمُولٌ بِهَا وَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ عَنْ الْآيَةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الِامْتِثَالُ مَعَ بَقَاءِ الْعِصْيَانِ إمَّا فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ وَإِمَّا فِي فِعْلٍ مُتَعَدِّدٍ فَكَانَ عَاصِيًا مُمْتَثِلًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَأْمُورًا مَنْهِيًّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ لَا يُمْكِنُهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِالْخُرُوجِ وَالتَّوْبَةِ فِي وَجْهٍ يُمْكِنُهُ وَلَا يُمْكِنُ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ النَّهْيِ فِي نَفْسِ الْخُرُوجِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْتَفِعَ حُكْمُ النَّهْيِ فِي الْخُرُوجِ وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً بِهِ ثُمَّ تَابَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا قَالَ أَبُو هَاشِمٍ هُوَ عَلَى حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِانْفِصَالِهِ عَنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَرَدَّ النَّاسُ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَنْ تَابَ عَنْ الْقَتْلِ بَعْدَ رَمْيِ السَّهْمِ عَنْ الْقَوْسِ وَقَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الرَّمِيَّةِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَنْ تَابَ مِنْ بِدْعَتِهِ بَعْدَمَا بَثَّهَا فِي النَّاسِ وَقَبْلَ أَخْذِهِمْ بِهَا أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَبْلَ رُجُوعِهِمْ عَنْهَا
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) مَنْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبِالْجُمْلَةِ بَعْدَ تَعَاطِي السَّبَبِ عَلَى كَمَالِهِ وَقَبْلَ تَأْثِيرِهِ وَوُجُودِ مَفْسَدَتِهِ أَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا وَقَبْلَ ارْتِفَاعِهَا إنْ أَمْكَنَ ارْتِفَاعُهَا فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ هُنَا الِامْتِثَالُ مَعَ بَقَاءِ الْعِصْيَانِ وَقَدْ أَشَارَ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ إلَى تَصْوِيرِ هَذَا الِاجْتِمَاعِ وَصِحَّتِهِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ عِصْيَانٌ فَانْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّسَبُّبِ وَإِنْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ لِأَنَّ أَصْلَ التَّسَبُّبِ أَنْتَجَ مُسَبَّبَاتٍ خَارِجَةً عَنْ نَظَرِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا مُمْتَثِلًا هُنَا إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ لَا يَتَوَارَدَانِ عَلَيْهِ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْعِصْيَانِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ فَلَا نَهْيَ إذْ ذَاكَ، وَمِنْ جِهَةِ الِامْتِثَالِ مُكَلَّفٌ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ وَمُمْتَثِلٌ بِهِ فَلَوْ نَظَرَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْمُسَبَّبَ خَارِجٌ عَنْ نَظَرِ الْمُكَلَّفِ لَمْ يَسْتَبْعِدُوا اجْتِمَاعَ الِامْتِثَالِ مَعَ اسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ إلَى الِانْفِصَالِ عَنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بَلْ وَجَدُوا نَفْسَ الْخُرُوجِ ذَا وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) وَجْهُ كَوْنِهِ سَبَبًا فِي الْخُلُوصِ عَنْ التَّعَدِّي بِالدُّخُولِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ مِنْ كَسْبِهِ
(وَالثَّانِي) كَوْنُهُ نَتِيجَةَ دُخُولِهِ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إذْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَفِّ عَنْهُ فَاتَّضَحَ حِينَئِذٍ مَعْنَى مَا أَرَادَهُ الْإِمَامُ وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَنَّ مَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَيْهِمَا لَا يَرِدُ مَعَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إذَا تَأَمَّلَهَا أَفَادَهُ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي الْمُوَافَقَاتِ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ وَزَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فَقَدْ أُبِيحَ دَمُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا