يَقْتَضِي بَقَاءَ الْمُعَوَّضِ قَابِلًا لِلتَّسْلِيمِ أَمَّا مَعَ تَعَذُّرِهِ فَلَا بِشَهَادَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ كَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ فَإِسْقَاطُ الْأَوْلِيَاءِ النِّصْفَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَتَكْمِيلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ قَبْلَ الطَّلَاقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا بِوَجْهِ نَظَرٍ مِنْ عُسْرِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْحَقُ الْوَصِيُّ بِالْأَبِ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْهُ وَفِي الْجَلَّابِ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ الْعَفْوُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَسُلِّطَ الْأَبُ عَلَيْهِ إذَا رَآهُ نَظَرًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ لِتَعَيُّنِ الِاسْتِحْقَاقِ فَغَلَبَ حَقُّ الزَّوْجَةِ

(فَائِدَةٌ) يُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ دَخَلَ عَلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ فَأَنْشَدَهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ:

مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَصْرَعِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ

يَجِدْ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ ... قَدْ قُمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الْأَسْحَارِ

قَدْ كُنَّ يُخَبِّئَانِ الْوُجُوهَ تَسَتُّرًا ... وَالْآنَ حِينَ بَدَوْنَ لِلنُّظَّارِ

فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ بَدَأْنَ بِالْهَمْزِ أَوْ بَدَيْنَ بِالْيَاءِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَقُولُ بَدَيْنَ وَلَا بَدَأْنَ بَلْ بَدَوْنَ فَقَالَ لَهُ أَصَبْت وَقَصَدَ غُرَّتَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ صَدْرَ الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ فِي قَوْلِهِ يُخَبِّئَانِ الْوُجُوهَ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ بَدَأْنَ مِثْلَ يُخَبِّئَانِ بِالْهَمْزِ فِيهِمَا فَخَطَرَ لَهُ أَنَّهُ يَغْتَرُّ بِذَلِكَ فَيَخْطَأُ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ

(وَثَانِيهِمَا) قَصْدُ التَّخْطِئَةِ أَنَّ الْوَاوَ تَكُونُ ضَمِيرَ الْفَاعِلِ الْمُذَكَّرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بَدَوْنَ بِالْوَاوِ لِأَنَّ ضَمِيرَ النِّسْوَةِ لَا يَكُونُ بِالْوَاوِ فَمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ نَطَقَ بِالصَّوَابِ وَهُوَ الْوَاوُ وَمَا ذَكَرْت هَذِهِ الْأَبْيَاتِ إلَّا لِتَعَلُّقِهَا بِالْآيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي النِّسَاءِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] بِالْوَاوِ فَضَعَّفَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَجِيءُ ضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ بِالْوَاوِ وَلَيْسَ كَمَا خَطَرَ لَهُ وَلَيْسَ الْوَاوُ هُنَا ضَمِيرًا بَلْ مِنْ نَفْسِ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ مِنْ عَفَا يَعْفُو بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْأَبْيَاتِ هُوَ مِنْ بَدَا يَبْدُو بِالْوَاوِ وَشَأْنُ ضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ الَّذِي هُوَ النُّونُ يُحَقِّقُ آخِرَ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ يَاءً بَقِيَ يَاءً وَإِنْ كَانَ وَاوًا بَقِيَ وَاوًا وَإِنْ كَانَ هَمْزَةً بَقِيَ هَمْزَةً وَأَيَّ حَرْفٍ كَانَ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ مِثَالُ الْيَاءِ قَوْلُك رَمْي يَرْمِي فَنَقُولُ النِّسْوَةُ رَمَيْنَ بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ كَقَوْلِك دَعَا يَدْعُو وَالنِّسْوَةُ دَعَوْنَ وَالْهَمْزَةُ

ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ لَا يُحَرِّمُ الْأُمَّ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحَابَةِ إنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَلَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ حَتَّى يُدْخَلَ بِالْأُمِّ وَاخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي الْوَصْفِ فِي قَوْلِهِ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَقِيلَ يَرْجِعُ إلَى الرَّبَائِبِ وَالْأُمَّهَاتِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقِيلَ يَرْجِعُ إلَى الرَّبَائِبِ خَاصَّةً.

وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَجَعَلُوا رُجُوعَ الْوَصْفِ إلَى الْمَوْصُوفَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْ الْعَامِلِ مَمْنُوعًا كَالْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَرَأَوْا أَنَّ عَامِلَ الْإِضَافَةِ غَيْرُ عَامِلِ الْخَفْضِ بِحَرْفِ الْجَرِّ وَقَدْ مَهَّدْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ: مُلْجِئَةُ الْمُتَفَقِّهِينَ إلَى مَعْرِفَةِ غَوَامِضِ النَّحْوِيِّينَ وَقَدْ رَدَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ الرِّوَايَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ أَنَّهُ مَذْهَبُ عَلِيٍّ خَاصَّةً كَمَا اسْتَقَرَّ الْيَوْمَ فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَقْطَارِ أَنَّ الرَّبَائِبَ وَالْأُمَّهَاتِ فِي هَذَا الْحُكْمِ مُخْتَلِفَاتٌ وَأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّبَائِبِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ غَوَامِضِ الْعِلْمِ وَأَخْذُهَا مِنْ طَرِيقِ النَّحْوِ يَضْعُفُ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الْعَرَبَ الْقُرَشِيِّينَ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِمْ بِمَقْطَعِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمْ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَخُصُوصًا عَلَى مِقْدَارِهِ فِي الْعِلْمَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَكَانَ فَصَاحَتُهَا بِالْأَعْجَمِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَاوَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَصْدِ وَالْمَأْخَذُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ الْوَصْفُ إلَى الرَّبَائِبِ خَاصَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَيُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ عَلَى التَّحْلِيلِ فِي بَابِ الْفُرُوجِ وَهَكَذَا هُوَ مَقْطُوعُ السَّلَفِ فِيهَا عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ عَلَيْهَا

(الْوَجْهُ الثَّانِي) رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلْيَنْكِحْهَا» . وَهَذَا إنْ صَحَّ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَكِنَّ رِوَايَةَ الْمُثَنَّيْ بْنِ الصَّبَّاحِ تُضَعَّفُ

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ نِسَائِكُمْ لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ لِأَنَّهُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ بَلْ وَاحِدَهُ امْرَأَةٌ وَلَمَّا كَانَ قَوْلُك امْرُؤٌ وَامْرَأَةٌ كَقَوْلِك آدَمِيٌّ وَآدَمِيَّةٌ كَانَ قَوْلُهُ امْرَأَتُك كَقَوْلِهِ آدَمِيَّتُك فِي احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الَّتِي تُشْبِهُك أَوْ تُجَاوِرُك أَوْ تَمْلِكُهَا أَوْ تَمْلِكُك أَوْ تَحِلُّ لَهَا أَوْ تَحِلُّ لَك وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى الشَّبَهِ وَالْجَوَازُ مُحَالٌ فَلَمْ نَجِدْ وَجْهًا إلَّا بَابَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَيَشْهَدُ لَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015