الْأَرْذَالِ الْأَخِسَّاءِ فَهَذِهِ فُرُوقٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْمَرْأَةِ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا فَقَالَ فِي الْجَوَابِ الْمَرْأَةُ مَحَلُّ الزَّلَلِ وَالْعَارِ إذَا وَقَعَ لَمْ يَزُلْ وَفِي الْفَرْقِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا رَشِيدَةً أَوْ سَفِيهَةً أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ أَمْ لَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُوزُ لِلرَّشِيدَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] وقَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهَا دُونَ الْوَلِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَأَذِنَ الشَّرْعُ لَهَا فِي ذَلِكَ

(وَثَانِيهَا) أَنَّهَا مُتَصَرِّفَةٌ فِي مَالِهَا فَفِي نَفْسِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِأَغْرَاضِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَمَصْلَحَةُ الْمَالِ الَّتِي هِيَ التَّنْمِيَةُ مَعْلُومَةٌ لِلْوَلِيِّ كَمَا هِيَ مَعْلُومَةٌ لِلْمَرْأَةِ

(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَاقِلِ وَالْبَالِغِ وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ فَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا

(وَرَابِعُهَا) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَقْدَهَا عَلَى نَفْسِهَا إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِالْفَرْقِ

(وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ الْوَطْءَ لَهَا دُونَ وَلِيِّهَا فَإِنْ قُلْت الزَّوْجُ هُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ دُونَ الْمَرْأَةِ قُلْت مُسَلَّمٌ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْعَقْدِ وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] فَخَاطَبَ الْأَوْلِيَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلْأَوْلِيَاءِ بِيعُوا أَمْوَالَ النِّسَاءِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْأَمْوَالِ لَهُنَّ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

(وَعَنْ الثَّانِي) الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ مَا تَقَدَّمَ

(وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْحَدِيثُ وَالْآيَاتُ السَّابِقَةُ

(وَعَنْ الرَّابِعِ) أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي أَصْلِ الْفِقْهِ أَنَّ الْوَصْفَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ غَالِبًا

ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَانِي الَّتِي ذُكِرَ الْفَرْقُ فِيهَا إذَا دَخَلَ الثَّانِي بِهَا كَانَ دُخُولُهُ بِهَا فَوْتًا وَنُفُوذًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِي

وَالْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذُكِرَ عَدَمُ الْفَوْتِ فِيهَا فَلِذَا كَانَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحًا اهـ. بِتَوْضِيحٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِمَاءِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ عَدَدٍ مِنْهُنَّ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوْجَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ]

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِمَاءِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ عَدَدٍ أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ مِنْهُنَّ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوْجَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ)

وَذَلِكَ أَنَّ بَابَ الزَّوَاجِ لَمَّا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْعِزِّ وَالِاصْطِفَاءِ وَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ التَّخْصِيصَ بِالْوَطْءِ وَلَا تَقَعُ الْخِدْمَةُ فِيهِ إلَّا تَبَعًا بِعَكْسِ بَابِ الْإِمَاءِ فَإِنَّ الْخِدْمَةَ وَالْهَوَانَ فِيهِ أَصْلٌ وَلَا يَقَعُ الْوَطْءُ فِيهِ إلَّا تَبَعًا كَانَتْ الشَّحْنَاءُ وَالْمُضَارَّةُ الَّتِي هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي بَابِ الزَّوَاجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِيهِ مِنْ الْإِعْزَازِ وَالِاصْطِفَاءِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْإِمَاءِ لِأَنَّهَا وَإِنْ وُجِدَتْ فِيهِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِيهِ بَلْ عَلَى الْأَصْلِ فِيهِ مِنْ الْهَوَانِ وَالْخِدْمَةِ كَانَتْ ضَعِيفَةً عَنْ وُجُودِهَا فِي بَابِ الزَّوَاجِ فَلَمَّا بَعُدَتْ مُنَاسَبَةُ الْإِمَاءِ فِيمَا لَيْسَ هُوَ وَصْفُهُنَّ بَلْ وُقُوعُهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ مِنْ الْوَطْءِ وَالِاصْطِفَاءِ كَانَتْ الْمَهَانَةُ الْغَالِبَةُ فِيهِنَّ مِنْ جِهَةِ ذُلِّ الرِّقِّ تَمْنَعُ مِنْ الْإِبَاءِ وَالْأَنَفَةِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي الْحُظُوظِ وَلَمَّا بَعُدَتْ مُنَاسَبَةُ الزَّوْجَاتِ فِيمَا لَيْسَ هُوَ وَصْفُهُنَّ بَلْ وُقُوعُهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ مِنْ الْمَهَانَةِ وَالْخِدْمَةِ كَانَ الْوَطْءُ وَالِاصْطِفَاءُ الْغَالِبُ فِيهِنَّ مِنْ جِهَةِ عِزِّ الزَّوَاجِ يَقْتَضِي الْإِبَاءَ وَالْأَنَفَةَ وَالْمُنَافَسَةَ فِي الْحُظُوظِ وَكَانَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا لِجَمْعِ امْرَأَةِ مَعَ أُخْرَى فِي عِصْمَةٍ هُوَ مُقْتَضِي أَنَّ مُضَارَّةَ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ الْجَمْعِ وَسِيلَةٌ لِلشَّحْنَاءِ فِي الْعَادَةِ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عِنْدَهُمْ فَلَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً.

وَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الرَّجُلِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ فِي نَفْيِ الْمُضَارَّةِ وَالشَّحْنَاءِ عَلَى مَصْلَحَةِ الرِّجَالِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَيُقَالُ إنَّهُ قَدْ شُرِعَ عَكْسُ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ زَوَاجُ عَدَدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ الرِّجَالِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ عَلَى مَصْلَحَةِ النِّسَاءِ فِي نَفْيِ الشَّحْنَاءِ وَالْمُضَارَّةِ وَلَمَّا كَانَتْ شَرِيعَتُنَا أَفْضَلَ الشَّرَائِعِ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ مَصْلَحَتَيْ الْفَرِيقَيْنِ إذْ كَمَا أَنَّهُ رَوْعِي فِيهَا مَصْلَحَةُ الرِّجَالِ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ قَضَاءُ إرَبِهِ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَيِّزِ الْحَجْرِ وَيُضَافُ لِذَلِكَ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ كَذَلِكَ رُوعِيَ فِيهَا مَصَالِحُ النِّسَاءِ فَلَا تُضَارُّ زَوْجَةٌ مِنْهُنَّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَسِرُّ الِاقْتِصَارِ فِي جَوَازِ الْمُضَارَّةِ وَالشَّحْنَاءِ عَلَى ثَلَاثٍ هُوَ أَنَّ الْمُضَارَّةَ وَالشَّحْنَاءَ لَمَّا كَانَتْ عَلَى خِلَافِ أَصْلٍ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى خِلَافِ الْأُصُولِ قَدْ اُسْتُثْنِيَتْ فِي صُوَرٍ مِنْهَا جَوَازُ الْهَجْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْإِحْدَادِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015