زَيْدٌ وَمُسَيْلِمَةُ الْحَنَفِيُّ صَادِقَانِ أَوْ كَاذِبَانِ اسْتَحَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَإِلَّا لَصَدَقَ مُسَيْلِمَةُ فِي قَوْلِنَا هُمَا صَادِقَانِ أَوْ لَكَذَبَ زَيْدٌ فِي قَوْلِنَا هُمَا كَاذِبَانِ.
وَيَسْتَحِيلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ كَاذِبًا لِلُزُومِ صِدْقِ مُسَيْلِمَةَ فِي قَوْلِنَا هُمَا كَاذِبَانِ أَوْ كَذِبِ زَيْدٍ فِي قَوْلِنَا هُمَا صَادِقَانِ، لَكِنْ كَذِبُ زَيْدٍ مُحَالٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ خِلَافُهُ وَإِذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ لَزِمَ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ قَبْلَ هَذَا فِيمَنْ قَالَ: أَنَا كَاذِبٌ فِي بَيْتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ إلَّا بِهَذَا الْكَلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا، وَيَلْزَمُ أَيْضًا وُجُودُ الْخَبَرِ بِدُونِ خِصِّيصَتِهِ وَهُوَ قَبُولُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا.
وَالْجَوَابُ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي بَابِ الْإِخْبَارِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ فِي قُوَّةِ خَبَرَيْنِ فَإِذَا قُلْنَا زَيْدٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقَانِ فَتَقْدِيرُهُ زَيْدٌ صَادِقٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقٌ وَالْأَوَّلُ خَبَرٌ صَادِقٌ وَالثَّانِي خَبَرٌ كَاذِبٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا كَاذِبَانِ صَدَقَ مَفْهُومُ الْكَذِبِ فِي مُسَيْلِمَةَ وَكَذَبَ فِي زَيْدٍ، وَهَذَا الْجَوَابُ يَبْطُلُ بِتَضْيِيقِ الْفَرْضِ بِأَنْ نَقُولَ الْمَجْمُوعُ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ وَنَجْعَلُ الْخَبَرَ عَنْ الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ مُفْرَدٌ فِي اللَّفْظِ أَوْ يَقُولُ الْمُتَكَلِّمُ أَرَدْتُ الْمَجْمُوعَ وَالْإِخْبَارَ عَنْهُ، وَلَمْ أُرِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْطُلُ هَذَا الْجَوَابُ.
وَالْجَوَابُ الْحَقُّ أَنْ نَلْتَزِمَ فِي قَوْلِنَا هُمَا صَادِقَانِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْكَذِبَ نَقِيضُ الصِّدْقِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَإِنَّهُ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْمُطَابَقَةِ، وَالْمُتَكَلِّمُ أَخْبَرَ عَنْ حُصُولِ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهَا فَتَنْتَفِي الْمُطَابَقَةُ فِي الْمَجْمُوعِ بِنَفْيِهَا فِي أَحَدِهِمَا وَلَا نَشُكُّ أَنَّهَا مَنْفِيَّةٌ فِي أَحَدِهِمَا فَيَكُونُ الْحَقُّ نَفْيَ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمَجْمُوعِ فَيَكُونُ الْخَبَرُ كَذِبًا، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا هُمَا كَاذِبَانِ فَإِنَّا أَخْبَرْنَا عَنْ ثُبُوتِ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا قَالَ قَائِلٌ الْعَدَمُ يَشْمَلُ زَيْدًا وَعَمْرًا كَذَّبَ خَبَرَهُ هَذَا بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ مَجْمُوعَ الْعَدَمَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ كَمَا يَنْتَفِي مَجْمُوعُ الثُّبُوتِ، وَقَدْ أَشَارَ فَخْرُ الدِّينِ إلَى أَنَّ الْخَبَرَ يَكُونُ كَذِبًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْسُطْ تَقْرِيرَهُ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قُلْنَا الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ نَاطِقٌ وَكُلُّ نَاطِقٍ حَيَوَانٌ فَإِنَّهُ يَنْتِجُ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ حَيَوَانٌ، وَهَذَا خَبَرٌ كَاذِبٌ مَعَ أَنَّ مُتَقَدِّمَاتِهِ صَحِيحَةٌ فَكَيْفَ يُنْتِجُ الصَّادِقُ الْخَبَرَ الْكَاذِبَ، وَذَلِكَ إنْ جَوَّزْنَاهُ يَبْطُلُ عَلَيْنَا بَابُ الِاسْتِدْلَالِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى هِيَ مُقَدِّمَتَانِ الْتَفَّتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى إحْدَاهُمَا سَالِبَةٌ وَالْأُخْرَى مُوجَبَةٌ فَإِنَّ قَوْلَنَا الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ نَاطِقٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَاطِقٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــSزَيْدٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقَانِ أَوْ كَاذِبَانِ اسْتَحَالَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ تَقْرِيرِ الْإِشْكَالِ، ثُمَّ ذَكَرَ جَوَابَ الْفَخْرِ بِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ خَبَرَيْنِ أَحَدُهُمَا صَادِقٌ وَالْآخَرُ كَاذِبٌ وَرَدَّ الْجَوَابَ بِتَضْيِيقِ الْفَرْضِ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْمَجْمُوعِ، أَوْ يَقُولُ الْمُتَكَلِّمُ أَرَدْتُ الْمَجْمُوعَ.
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ خَبَرٌ كَاذِبٌ، وَأَنَّهُ إنْ أَرَادَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ خَبَرٌ كَاذِبٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَجْمُوعَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الْكُلِّيَّةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ جَوَابٌ حَسَنٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُمَا فَلَا إشْكَالَ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
إذَا قُلْنَا الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ نَاطِقٌ، وَكُلُّ نَاطِقٍ حَيَوَانٌ فَإِنَّهُ يَنْتِجُ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ حَيَوَانٌ وَهَذَا كَذِبٌ قُلْتُ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ نَاطِقٌ فِي قُوَّةِ مُقَدِّمَتَيْنِ مُوجَبَةٍ وَسَالِبَةٍ، وَأَكْمَلَ جَوَابَهُ بِنَاءً عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ظَرْفَيْنِ لَيْسَ هُوَ غَيْبَةَ الْمَظْرُوفِ فِيهِمَا وَإِحَاطَتَهُمَا بِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا يَعْتَقِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ النُّحَاةِ مِنْ الظَّرْفِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَعْنَى الزَّمَانِ إمَّا اقْتِرَانُ حَادِثٍ بِحَادِثٍ، وَالِاقْتِرَانُ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ لَمْ تُحِطْ بِزَيْدٍ كَإِحَاطَةِ ثَوْبِهِ إنَّمَا هِيَ فِي ذَيْنِكَ الْحَادِثَيْنِ لَا تَتَعَدَّاهُمَا، وَإِمَّا حَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ وَالْحَرَكَةُ قَائِمَةٌ فِي الْفَلَكِ لَمْ تُحِطْ بِزَيْدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَوَادِثِ الْأَرْضِ بَلْ الْمُحِيطُ هُوَ الْفَلَكُ وَحْدَهُ، وَأَنَّ نَحْوَ زَيْدٌ عِنْدَك حَقِيقَةٌ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 255] لَهُ مَا عَلَى ظَهْرِهِمَا كَانَ الْخَبَرُ النَّاشِئُ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ يَنْتِجُ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ صَادِقًا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ قُلْنَا مَعْنَى ذَلِكَ غَيْبَةُ الْمَظْرُوفِ فِيهِمَا وَإِحَاطَتُهُمَا بِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ الظَّرْفِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ كَانَ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ كَاذِبًا فَإِنَّ الْوَتَدَ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ إلَّا أَنَّ كَذِبَهُ مِنْ جِهَةِ فَوَاتِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الَّذِي هُوَ اتِّحَادُ الْوَسَطِ فَإِنَّكَ هُنَا لَمْ تَأْخُذْ عَيْنَ خَبَرِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى فَتَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ كَمَا هُوَ ضَابِطُ الِاتِّحَادِ بَلْ مَفْعُولُهُ بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الْجَرِّ وَجَعَلْتَهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَذِبَ الْخَبَرِ النَّاشِئِ عَنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بَلْ هُوَ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ جُمْلَةُ الْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ كَانَ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ خَبَرًا حَقًّا كَقَوْلِنَا الْمَالُ فِي الصُّنْدُوقِ النَّاشِئِ عَنْ قَوْلِكَ الْمَالُ فِي الْكِيسِ وَالْكِيسُ فِي الصُّنْدُوقِ، وَإِنْ كَانَتْ مَجَازًا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَائِطَ لَمْ يَغِبْ بِجُمْلَتِهِ فِي الْأَرْضِ بَلْ أَبْعَاضُهُ كَانَ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ مَجَازًا أَيْضًا لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ فَافْهَمْ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) : بِغِيَابِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الَّذِي هُوَ اشْتِرَاكُ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِي الْوَسَطِ لَزِمَ كَذِبَ النَّتِيجَةِ مَعَ صِدْقِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِيمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ ذَهَبٌ